الوحدانية والثالوث، هل هي عقيدة حقيقية أم خيال؟ هل الله واحد وثالوث؟ أم كذبة اخترعها المسيحيون؟
- التفاصيل
- المجموعة: لاهوتية
- كتب بواسطة: ادارة الموقع
- الزيارات: 6037
الوحدانية والثالوث في المسيحية، عقيدة هامة، فهل يقول الكتاب المقدس بالوحدانية والثالوث؟ هل بالكتاب المقدس نصوص تقول أن الله واحد وثالوث؟ أم أن الوحدانية والثالوث عقيدة اخترعها المسيحيون؟ هل يؤمنون بإله واحد؟ أم يؤمنون بثلاث آلهة؟ هل يمكن فهم الوحدانية والثالوث؟ هل الثالوث والوحدانية حقيقة أم خيال؟
نؤمن نحن المسيحيين بأن الله واحد لا شريك له، خالق السماوات والأرض، القدير الحكيم، الذي لا بداية له ولا نهاية، الأول والآخر، الرحمن العادل، القدوس والجواد، الحق الحي، الذي لا يُرى ولا يُلمس أو يُدرك بالحواس البشرية.
وحينما سأل اليهود السيد المسيح طالبين معرفة أعظم وصية، قال ما جاء في سفر التثنية 4:6 "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد".
والكتاب المقدس مليء بالشواهد التي تقر بوحدانية الله، مثل:
خروج 2:20 "أنا الرب إلهك.. لا تكن لك آلهة أخرى أمامي".
تثنية 35:4 "لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه".
تثنية 39:4 "الرب هو الإله في السماء من فوق وعلي الأرض من أسفل ليس سواه"
إشعياء 5:45 "أنا الرب و ليس آخر. لا إله سواي"
إشعياء 18:45 "أنا الرب وليس آخر"
إشعياء 21:45 "أليس أنا الرب ولا إله غيري. ليس سواي"
إشعياء 22:45 "لأني أنا الله و ليس آخر"
إشعياء 9:46 "لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي"
رومية 12:10 "لأن رباً واحداً للجميع"
1كورنثوس 6:8 "لكن لنا إله واحد"
أفسس 5:4.... "رب واحد. إيمان واحد. معمودية واحدة "
1 تيموثاوس 5:2 "لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد"
يعقوب 19:2 "أنت تؤمن أن الله واحد حسناً تفعل"
وقانون الإيمان الذي نردده في كنائسنا بجميع طوائفنا يقول: "نؤمن بإله واحد".
فنحن موحدون نؤمن وبكل يقين أن الله واحد، لكن وحدانيته ليست الوحدانية الفردية البسيطة لكنها الوحدانية الجامعة. أن اليهود الذين آمنوا بالتوراة وحفظوها عن ظهر قلب، والتي تؤكد لهم مراراً وتكراراً أن الله واحد، نجدهم لم ينزعجوا حينما قال لهم السيد المسيح: "أنا والآب واحد". بل استطاعوا أن يفهموا هذه الوحدانية ببعد أعمق وهو أن الجوهر واحد لكن في تعدد. والأمثلة كثيرة في الكتاب المقدس على أن لفظ واحد يعنى الاتحاد أو الوحدة. تكوين 1: 5 "وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً". فهناك مساء وصباح لكنهما يوم واحد.
وفي تكوين 2: 24 "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً". فهناك رجل وامرأة. ولكنهما جسد واحد، إشارة إلى الاتحاد التام في الفكر والهدف وأسلوب الحياة وطريقة تربية الأولاد.
هذه الحقائق أعلى من العقل ومع ذلك نقبلها بثقة وفرح لأنها إعلان الله الذي يحبنا ولا يمكن أن يخدعنا، أيضاً إن كنت تخضع الله لمفاهيمك البشرية فإنك تحاول المستحيل لأنك محدود والله غير محدود. يقال إن القديس أغسطينوس كان يسير على شاطئ البحر يوماً وهو مشغول بهذه الفكرة: كيف أن الله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد، عندما رأى طفلاً يحفر في الرمل حفرة ثم يملأها من البحر بواسطة دلو صغير والحفرة لا تمتلئ، فسأل الطفل "ماذا تريد أن تفعل؟" فقال "أريد أن أنقل هذا البحر الكبير ليكون لي أنا في حفرتي". فقال القديس أغسطينوس لنفسه: "هذا عين ما أفعله الآن. إني أحاول أن أضع الله غير المحدود في حفرة عقلي المحدود".
على أن الله دائماً يعلن لنا عن ذاته بطرق وأساليب مختلفة في التاريخ، والضمير، والطبيعة، والكتاب المقدس. ولولا ذلك ما استطاع العقل أن يدرك الكثير، فالله هو الذي بدأ بالإعلان عن نفسه ليحرك فينا العقل والإيمان، وهما ليسا ضدين لكنهما يسيران في اتجاه متوازٍ، لكن العقل دائماً قاصر لا يرى غير المنظورات المحسوسات لكن الإيمان "يرى ما لا يُرى" (عبرانيين 11: 13).
قال المرنم في مزمور 19 " السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه". وقال الرسول بولس: "لأن أمورُه غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرتُه السرمدية ولاهوتُه" (رومية 1: 20).. أموره غير المنظورة تُرى؟!!! نعم الله لا يراه أحد ويعيش، ولا تدركه الأبصار. لكن هذه الأمور غير المنظورة يمكن أن نراها من خلال المصنوعات أو الخليقة، التي نرى فيها قدرة الله ونعرف من هو شخصه العزيز المبارك.
قابلتني أخت جزائرية وسألتني: كيف تصفون الله وكأنكم رأيتموه؟ هذا كفر، فالله العزيز الحكيم العالي الكبير لا تدركه الأبصار، وهو عال عن كل ما تقولون علواً كبيراً". فأجبتها: " الفستان الذي ترتدينه جميل. لا بد أن صانعه فنان". فتقبلت كلماتي وعلى وجهها خجل وحمرة بسيطة. وقالت: "هل زرت الجزائر؟" فقلت لا. قالت: وكيف عرفت؟ لأنه فعلاً أشهر مقصدار عندنا" فقلت: "من الفستان عرفت صانعه وحكمت عليه أنه فنان. كذلك حينما أرى السموات مرفوعة بغير عمد أقول: سبحانك ربى في قدرتك، فأنت إله كلي الحكمة. وحين أرى الشمس تشرق وتغرب في موعدها منذ آلاف السنين ولم تتغير لحظة، يمكن أن أقول عن الإله إنه مهندس عظيم". فقالت: "نعم معك كل الحق".
فهل يمكن أن نرى في خليقة الله من حولنا فكرة التعدد في الوحدانية؟
1- مجالات الحياة على كوكبنا ثلاثة: الأرض، والجو، والبحر.
2- جوهر الأشياء ثلاثة: جماد، ونبات، وحيوان
3- قواعد اللغة العربية ثلاثة: ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب.
4- الزمن ثلاثة: ماضي، وحاضر، ومستقبل.
5- الإنسان ثلاثة: نفس، وروح، وجسد.
6-المادة ثلاثة: صلب، وسائل، وغاز.
7- الذرة ثلاثة: نيوترون، وبروتون، وإلكترون.
8- الألوان الرئيسية ثلاثة: أحمر، وأصفر، وأزرق.
9- العائلة ثلاثة: الأب، والأم، والأولاد.
10- في المقارنات ثلاثة: فوق، وتحت، وعلى ذات المستوى.
11- في قياس المساحات ثلاثة: طول× عرض× ارتفاع.
12-الماء عصب الحياة ثلاثة: 2 هيدروجين+1 أكسيجين.
13- الأعداد ثلاثة: أول الأعداد الفردية هو 3، لأن الواحد ليس بعدد بل هو أصل الأعداد.
فالطبيعة من حولنا تصرخ في أساسياتها بالثلاثيات. وهناك الكثير. لكنى اخترت الأشياء الأساسية التي بدونها لا توجد حياة مثل المياه والمادة اللتين صنعا منهما الكون. أيضاً في قانون العقوبات يعتبر المجرم مستحق عقوبة الجناية بدل الجنحة إذا ارتكب نفس المخالفة ثلاث مرات (مادة 49 عقوبات). والأقوال المأثورة تقول: الحبل المثلوث لا ينقطع، كل شيء بالثالوث يكمل، المرة الثالثة ثابتة، أيام العزاء ثلاثة، القسَم الغليظ بالثلاثة، والطلاق بالثلاثة، والصلاة على الذبيحة ثلاثة حتى تكون حسب الشريعة. وطبعاً ليس الغرض من الاقتباسات المذكورة هو الاستدلال بها على أن أقانيم اللاهوت لا بد أن يكونوا ثلاثة. كلا، لأن الله أسمى من أن يُقاس بالنسبة إلى أي شي من الأشياء. بل الغرض هو الاستدلال بها على أنه لو أعلن لنا الوحي أن الأقانيم ثلاثة لما جاز لعقولنا أن تعترض على الإطلاق، لأن هذه الحقيقة تكون متفقة مع الواقع المعروف لدينا.
هل هناك براهين كتابية على التعدد في الوحدانية ؟
1- اسم الجلالة: اسم الجلالة في اللغة العبرية "إيل" بالمفرد وقد جاء 250 مرة. واسم الجلالة في الجمع هو "إلوهيم" وقد جاء 2500 مرة. وقد قيل إن هذا للتعظيم، فحينما تنطق اسم الله لا بد أن تقوله بالجمع مثلما تقول لعظيم " حضرتكم، سيادتكم، فضيلتكم". لكن هذا الأسلوب قاصر على اللغة العربية فقط، ولا يوجد في العبرية، لأنها لو كانت كذلك إذاً ما الداعي لوجود الاسم "إيل" بالمفرد 250 مرة؟ ثم الملاحظ في العهد القديم كلمات فرعون كانت بالمفرد "أنا" ولم تكن أبداً بالجمع "نحن" مثل تكوين 41: 15 "حلمت حلماً" وليس "حلمنا". وعندما تكلم يوسف معه خاطبه أيضاً بالمفرد مثل تكوين 41: 25، 28، 33 "قد أخبر الله فرعون.. قد أظهر الله لفرعون.. لينظر فرعون".
2- أقوال الله: في صيغة الجمع والمفرد في آن واحد مثل: تكوين 1: 26 "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (في صيغة الجمع). ثم الآية التالية لها في صيغة المفرد تكوين 1: 27 "خلق الله الإنسان على صورته".
تكوين 3: 23 "هوذا الإنسان قد صار كواحد منا".
تكوين 11: 7 "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم".
إشعياء 6: 7 هتاف السرافيم: "قدوس قدوس قدوس رب الجنود"
إشعياء 6: 8 "من أُرسل (مفرد)؟ ومن يذهب من أجلنا (جمع)؟".
3- صفات الله: صفات ذات الله عديدة منها مثلاً المحبة، والسمع، والكلام. فلو كان الله في وحدانيته الواحد الفرد، العدد الحسابي البسيط، هل كانت محبته قبل الخليقة منذ الأزل عاملة أم عاطلة؟ إن قلت عاطلة وتغيرت بالخليقة وأصبحت عاملة فيكون إلهاً متغيراً وفي حاجة إلى خليقته!! حاشا لله أن يكون متغيراً أو محتاجاً. إذاً لا بد أن تكون وحدانيته جامعة من آب وابن وروح قدس، منذ الأزل والآب يحب الابن والابن يحب الآب, فالمحبة فيه عاملة، إذاً هو لا يتغير. هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 13: 8). خلْقُ الخليقة لم يؤثر عليه لأنه في حالة اكتفاء بذاته، فهو ليس محتاجاً إلى خليقته في شيء. وكمال الصفة هي أن تكون فعل وفاعل ومفعول به. فالله سبحانه هو الحب وهو المحب وهو المحبوب منذ الأزل وإلى الأبد. فلا بد أن تكون وحدانيته الوحدانية الجامعة حتى تكون صفاته عاملة منذ الأزل.
إذاً ما هي عقيدتنا في الثالوث ؟
نقول إن الله سبحانه الذي أوجد كل واحد ذا ذات متفردة منفصلة قائمة بذاتها، هل يمكن أن يكون هو عز وجل بدون ذات إلهية؟!! حاشا. لا بد أن يكون موجوداً بذاته. والذات هي سبب الوجود، فأنا بذاتي حينما أنجبت وأصبح لي أولاد أطلق علي اسم "أب". والله القدير خلق الخليقة وأوجدها بذاته، فهل يمكن أن نطلق عليه "أبو الخليقة"؟. نعم وبكل تأكيد، فنحن نطلق على الوجود الذاتي لله لفظ "الآب" ولا نقصد به الأبوة الجسدية الناتجة عن وجود زوجة وتزاوج وتناسل وإنجاب، بل هي أبوة روحية مثلما نقول: الرئيس أب المصريين، إبراهيم أب المؤمنين.
هذا الإله الموجود بذاته خلقني ناطقاً بالكلمة، فهل يعقل أن يكون هو بذاته غير ناطق بالكلمة؟!! حاشا لله.
ولأن العقل يفكر ويتمخض ويلد فكرة فدائماً نقول إن الفكرة وليدة العقل، كما نقول عن "الكلمة بنت شفة"، "وحللت هذه المشكلة من بنات أفكاري"، والشفاه تتحرك فتخرج كلاماً. فالكلمة ولأنها وليدة العقل يمكن أن نطلق عليها لفظ "الابن". وهو ما سُمي في اليونانية "اللوجوس" والتي جاءت منها الكلمة الإنجليزية "لوجيك" بمعنى العقل أو المنطق لذلك نسمى نطق الله "بالابن". ولفظ الابن لا يعنى وجود أب وأم وتزاوج وتناسل، لكن المعنى الروحي هو المقصود، مثلما تقول "ابن مصر، ابن النيل، ابن العلم، ابن الوطن، ابن السبيل".
نقول أيضاً أن الله الموجود بذاته الناطق بكلمته خلقني حياً بالروح، فهل يمكن أن يكون هو ذاته غير ذلك، كأن يكون قوة أثيرية أو كهرباء أو مغناطيسية؟ !! حاشا لله، فهو الحي إلى أبد الآبدين. هذه الحياة نطلق عليها "الروح القدس". لذلك فالله الواحد الموجود بذاته الناطق بكلمته الحي بروحه هو الآب والابن والروح القدس، ونحن بذلك لا نقول ثلاثة بل إله واحد.
من أين جاء هذا الكلام ؟
الكتاب المقدس يعلن لنا هذا الفكر في آيات كثيرة اخترتُ لك بعضها:تكوين 1: 1 "في البدء خلق الله السموات والأرض".
تكوين 1: 2 "وروح الله يرف على وجه المياه".
تكوين 1: 3 "وقال الله ليكن نور".
مزمور 33: 6 "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فمه كل جنودها".
إشعياء 48: 16 "منذ وجوده أنا هناك والآن أرسلني السيد الرب وروحه".
متى 3: 16، 17 "وإذا السموات انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيا عليه وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
متى 28: 19 "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس". ولم يقل بأسماء لأنه واحد وليس ثلاثة.
لوقا 1: 35 "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله".
2 كورنثوس 13: 14 (البركة الرسولية): "نعمة ربنا يسوع المسيح، محبة الله، شركة الروح القدس مع جميعكم".
ما الداعي لوجود عقيدة الثالوث؟
ظهرت بدع كثيرة وهرطقات في القرون الأولى من الميلاد مثل بدعة أريوس الذي قال إن السيد المسيح ليس إلهاً، بل هو أقل من إله. وهو ليس إنساناً بل هو أعلى من إنسان، بمعنى أنه حالة وسط بين الاثنين. فاجتمع قادة الكنيسة (318 أسقفاً) في مدينة نيقية عام 325م وبحثوا في الكتاب المقدس عن شخص السيد المسيح من هو. وكان أحد الموجودين في هذا المجمع هو بطل الإيمان القديس الإسكندري أثناسيوس الرسولي، وهو الذي قاد هذه الحملة ضد أريوس وأتباعه حتى انتهت هذه البدعة وصدر قانون الإيمان الذي يدحض فكر أريوس معلناً أن السيد المسيح هو الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس.
*بدعة أبوليناريوس الذي يقول فيها إن المسيح إنسان تأله.
* بدعة سابيليوس الذي يقول إن الله ظهر كمن يلبس قناعاً مناسباً لكل مرحلة فلبس قناع الأب حينما خلق العالم، ثم ارتدى قناع الابن ليتمم الفداء. وأخيراً لبس قناع الروح القدس ليمكث معنا ويحامي عنا ويذكرنا بكل التعاليم الصالحة.
* في القرن الخامس الميلادي ظهرت جماعة وثنية عبدت النجوم، وأطلقت على كوكب الزهرة اسم "ملكة السماء". وعندما آمن أتباع هذه الجماعة بالمسيحية أرادوا أن تكون لهم ملكة في السماء، فأخذوا القديسة العذراء مريم ملكة لهم، وأصبح ثالوثهم هو الآب والابن والعذراء مريم. وهو بكل تأكيد ثالوث خاطئ قاومته الكنيسة في أوائل القرن السادس حتى أنهته.
ما فائدة التعليم بالثالوث؟
قصد الله بإعلانه عن نفسه أن يربي الإنسان في التقوى لكي يعرفوه المعرفة التي تجعلهم يتشبهون به في قداسته وكمال رحمته ومحبته. وهذا نجده واضحاً في جميع الأمم الذين تعبدوا لآلهة متعددة. فالذين كانوا يعبدون آلهة الحرب كانوا يرضونها بكثرة القتل وسفك الدماء. والذين كانوا يعبدون باكوس إله الخمر كانوا يرضونه بالإكثار من شربها وهكذا .
إذا القصد من تعليم الثالوث هو:
1- يرفع شأن اللاهوت ويوضح كمالاته في ذاته منذ الأزل.
2- وسيلة إعلان الله عن نفسه للخليقة: فالآب والابن والروح القدس إله واحد. فالابن يعرف الآب كمال المعرفة لذلك يقدر أن يعلنه بكماله، وكذلك الروح القدس. فبواسطة الأقانيم الثلاثة يقترب اللاهوت تمام الاقتراب إلى المخلوقات المحدودة .
3- وسيلة إتمام عمل الفداء، فالابن الأقنوم الثاني تجسد وظهر في العالم وكفَّر عن خطايا الناس وشفع في المذنبين ورتب كل وسائط التبرير والمصالحة بين الله والناس وتمم الخلاص.
4- يجعل الله مثالاً للحياة البشرية التي يجب أن تكون، وذلك فيما يتعلق بالمعاشرة الحبية والألفة الأهلية وذلك بمعاشرة الأقانيم الثلاثة معاً بالمحبة والألفة والاتحاد، فترى حقيقة الأبوة والبنوة ويتميز جنسنا عن غيره. فلو جردنا اللاهوت من كل شعور المحبة للغير لجعلناه قوة مجردة وسلبناه صفة الألفة الحبية.
الثالوث المحارَب:
على أن الثالوث الذي حاربه الإسلام غير تثليث المسيحيين، لأن الإسلام نظر إليهم كقوم موحدين، فقال: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. وقولوا: آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون" (العنكبوت 29: 46) وجاء في سورة البقرة 2: 62 "ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". كذلك حرم على المسلم الزواج من المشركات إلا إذا أسلمن: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ" . ولكنه سمح للمسلم أن يتزوج مسيحية وتبقى على دينها وهذا يعنى أنها غير مشركة. كما أن هناك آية تفصل بين المشركين والنصارى تقول "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك أن منهم قسيسين ورهباناً، وأنهم لا يستكبرون" (المائدة 5: 82).
لذلك فالثالوث الذي حاربه الإسلام هو ثالوث خاطئ ينادي بالولادة التناسلية والتزاوج والتعدد في الذات الإلهية بدليل الآيات الآتية:
النساء 4: 171 "ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله واحد"
ونحن لا نقول أن الله ثلاثة بل واحد.
المائدة 5: 72: "لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة".
ونحن أيضاً لا نقول هذا بل نعلن أن كل من يقول هذا فقد ضل ضلالاً بعيداً.
أما الثالوث المحارَب فهو ثالوث المريميين الذي ذكرناه، بدليل قوله في سورة المائدة 5: 116:
" وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"!
نلخص عقيدتنا عن الله في الآتي:
1-الله (اللاهوت) لا شريك له ولا تركيب فيه، لكنه يتميز عن كل الموجودات بأنه مع وحدانيته وعدم وجود تركيب فيه، ليس أقنوماً بل ثلاثة أقانيم.
2-ليس الأقانيم ثلاث ذوات في الله ، لأن الله (اللاهوت) ذات واحدة، وليس ثلاثة مظاهر له، لأنه في ذاته ليست له مظاهر. وليس ثلاثة أجزاء فيه، لأنه لا تركيب فيه بل هم عين ذاته.
3-وإن كان كل أقنوم غير الآخر، لكن نظراً لأنهم عين اللاهوت(أو الله معيَّناً) فإنهم واحد في كل الصفات والخصائص، ولا انفصال لأحدهم عن الآخر على الإطلاق. فمنذ الأزل الذي لا بدء له إلى الأبد الذي لا نهاية له، الله هو (الآب والابن والروح القدس) وهم الله الواحد.
4-أن معاني أسماء الأقانيم ليست المعاني الحرفية أو المجازية المستعملة لدى البشر، بل المعاني الروحية الإلهية التي تتوافق مع وحدانية الله وتفرده باللاهوت والأزلية، وعدم التعرض للتغير أو التطور. والغرض الوحيد منها هو الإعلان عن أنه تعالى مستغنٍ بذاته عن كل شيء سواها، فنسبة الآب في اللاهوت تدل على المحبة الباطنية فيه، ونسبة(الابن) في اللاهوت تدل على المحبة الظاهرة فيه، ونسبة (الروح القدس) تدل على المحبة المتبادلة العاملة فيه، منذ الأزل الذي لا بدء له.
5- لذلك فوحدانية الله هي الوحدانية الجامعة المانعة، والتي وحدها تليق بجلاله لأن بها تكون له ذاتية خاصة، ويكون متصفاً بكل الصفات الإيجابية اللائقة بكماله، وتكون هذه الصفات ليس بالقوة بل بالفعل ومنذ الأزل هي عاملة، لذلك فلم يعترِه تغيير أو تطور، ولا جدَّ عليه جديد نتيجة خلق العالم.