ما معنى يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة ؟
(لوقا 2: 40) وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئاً حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.
(لوقا 2: 52) وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ.
إذا كان المسيح إلها فكيف كان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس؟
الرد:
للمتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية
يقول لوقا الإنجيلى: " وأما يسوع فكان يتقدم (ينمو) فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس".
السيد المسيح من حيث هو الاقنوم الثانى فى الثالوث القدوس، وكلمة الله الأزلى وحكمته.. لم يكن يكتسب شيئاً من الحكمة بالتعليم من مصدر خارج عن ذاته، لأنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، فهو " الذى صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء ً " (1 كو1: 30).. والمسيح كما يقول بولس الرسول هو " قوة الله وحكمة الله " (1 كو1: 24).
لكن فى هذا النص ينحصر الكلام عن مخلصنا على صفاته الناسوتية دون اللاهوتية.. فما دام سيدنا قد اتخذ لاهوته ناسوتاً كاملاً، واتحد به اتحاداً كاملاً بغير افتراق، فهذا الناسوت ما دام حقيقياً – وليس خيالاً كما نادى بعض الهراطقة – فلابد أن ينمو ويكبر، ويصير لإلى قامة ملء الإنسان.. هذا من جهة – ومن جهة أخرى فما دام سيدنا قد اتخذ لاهوته ناسوتاً كاملاً من جسد ونفس ناطقة، فالنفس الناطقة بصفتها نفساً إنسانية تنمو هى أيضاً فى المعرفة الطبيعية كما تنمو نفس كل إنسان، وتزداد فى المعرفة وفى الحكمة الإنسانية بنمو القوى العاقلة وبازدياد الخبرات والمدركات الحسية التى تنتقل إلى داخل النفس عن طريق الحواس.
ويجب الإشارة هنا إلى نقطة فى غاية فى غاية الأهمية وهى أن السيد المسيح من حيث خصائص طبيعته الناسوتية ومقومتها وتكوينها وقابليتها لسائر الاحساسات من جوع وعطش وتعب وألم.. إلخ، ولجميع العواطف والمشاعر والانفعالات من حب وعطف وفرح وحزن وغضب.. إلخ، فإنه له المجد اشترك فى هذا كله معنا بناسوته كاملا ً.. وإذا كنا نقول هذا من جهة الاحساسات والعواطف، فالأمر كذلك من حيث العلم الطبيعى. فالسيد المسيح – من حيث ناسوته الكامل – خضع لكل ما يسرى على الطبيعة الإنسانية الكاملة خضوعاً تدبيراً.. وحينما يذكر الإنجيل المقدس أن السيد المسيح كان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة، فما ذلك إلا لكى يبين أن نفساً بشرية تتصف بالحكمة وتقتبل النعمة مع تقدم السن والقامة وتطور النمو الجسمانى.. أكا من جهة النعمة فإن كانت هى فضل الله مفاضاً على طبعنا البشرى، فهى ليست كذلك فى المسيح. وأنما النعمة فى المسيح هى مجد الله ظاهراً فيه، وفضل الله على الجنس البشرى معلناً فى شخص المسيح وما قام به لأجلنا.
ويقول القديس أثناسيوس الرسولى – أكبر من ناضل ضد الأريوسيين الذين أنكروا لاهوت المسيح – ان هذا النص أنما يؤكد بشرية ابن الله الكلمة وناسوته.. وقد وضع أثناسيوس هذا النص مع مثيله من نصوص أخرى تؤكد إنسانية المسيح الكاملة، مثل سؤال المسيح عن مكان دفن لعازر " أين وضعتموه " (يو 11: 34) ومثل سؤاله لتلاميذه فى معجزة إشباع الخمسة الآف من خمسة أرغفة وسمكتين " كم رغيفاً عندكم " (مر6: 38).. فأن هذه الأسئلة مثل سؤال الله لآدم " أين أنت " (تك 3: 9)، فأنها لا تدل على جهل الله، بل تعنى ما حدث لآدم.
إن معنى هذه الآية يجب أن يبنى على أساس ما جاء فى (يو 1: 14) " الكلمة صار جسداً وحل بيننا " ولأ، الكلمة تجسد، أصبح من الضرورى ألا نظن أن الكلمة الذى هو حكمة الله (1 كو 1: 30)، يتقدم فى الحكمة أو أن المسيح الذى أخذنا نحن جميعاً من ملئه نعمة فوق نعمة (يو 1: 16)، يحتاج إلى النعمة..
إذن الذى يتقدم وينمو هو الجسد حسب قوانين الجسد، لأن التجسد لم يقض على قوانين الحياة الإنسانية، وأنما تركها كما هى..
يؤكد القديس أثناسيوس الرسولى أن تقدم القامة فى المسيح كان يعنى تقدم اعلان الوهية الابن. اى تناسب النمو الجسدى مع نمو الاعلان نفسه.