من هم شهود الصلب؟
سؤال: قال احد الكتاب: جاء فى إنجيل مرقس الإصحاح (14: 27) قال المسيح: "أن كلكم تشكون فى هذه الليلة".. ثم ذكر ما جاء فى مرقس الإصحاح (14: 50) "فتركه الجميع وهربوا ".ويضيف قائلاًً.. لقد خذله الحواريون؛ فمن كان شهود الصلب؟.
التعليق: لقد أعلن الوحى الإلهى أن "تقوم كل كلمه على فم شاهدين أو ثلاثة" (مت 18: 16) وأيضاً (2كو 13: 1). وفى إثباتنا لحقيقة أن المصلوب هو رب المجد يسوع المسيح نقدم شهود حوادث الصلب من ساعة القبض عليهوحتى قيامته من الأموات.
أ- شهود العيان أثناء القبض على السيد المسيح:
كان التلاميذ مع السيد المسيح فى البستان عندما جاء الجنود للقبض عليه (مت26: 45-50) وقدم السيد المسيح نفسه للجنود طالباً منهم أن يدعوا تلاميذه يذهبون (يو18: 8-9). ونرى فى المشهد القديس بطرس الرسول يستل سيفه ويقطع أذن عبد رئيس الكهنة (يو18: 10).
فالتلاميذ الذين سجلوا لنا فيما بعد فى الأناجيل والرسائل كانوا شهود عيان لعملية القبض على المسيح. فكيف نشكك فى شهادة شهود العيان ونصدق أقولاً تقال بغير دليل؟ ونجد فى المشهد أيضاً يهوذا، التلميذ الخائن، يقود شرذمة من الجنود للقبض على المسيح، ولست أدرى كيف تحول المرشد والدليل إلى شخص مقبوض عليه. إنه لشئ مستحيل أن يخطئ الجنود فيقبضوا على يهوذا السائر معهم بدلاً من السيد المسيح.
ب- شهود العيان أثناء المحاكمة:
التلاميذ: بعد القبض على السيد المسيح اقتادوه إلى دار رئيس الكهنة، وقد ذهب إلى هناك تلميذ كان محبوباً ومقرباً لدى المسيح، وهو يوحنا وكان معروفاً عند رئيس الكهنة (يو 18: 15). وأيضاً القديس بطرس، وقد تبعه من بعيد. فوجودهما يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح.
وقد قال القديس يوحنا "الذى رأيناه بعيوننا، الذى شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو1: 1) وقد نظر السيد المسيح إلى القديس بطرس بعد أن أنكره نظرة عتاب، فخرج إلى خارج وبكى بكاء مراً (مت 26: 75). فلو أن المقبوض عليه كان شخصاً غير السيد المسيح، ما الذى يدفع بطرس إلى البكاء؟ وهل عندما التقت العيون، لم يكن فى إمكان بطرس أن يتعرف على هذا الشخص لو لم يكن هو المسيح، ولاسيما أن يهوذا شخص معروف لديه؟
وهل لم يكن لدى يوحنا التلميذ المحبوب والذى كان قريباً جداً منه قدرة على تمييز شخصه.
2- رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ:
كان السيد المسيح فى الهيكل عديداً من المراتمحاوراً ومعلماً وموبخاً. وهذا يؤكد أنه كان شخصية معروفة لدى الكثيرين منهم، وحيث أن السيد المسيح قد حوكم لفترة طويلة أمامهم، فلو أن هذا الشخص لم يكن السيد المسيح لأمكنهم اكتشاف ذلك بسهولة.
3- الشهود الذين شهدوا عليه زوراً:
عند محاكمة السيد المسيح "تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال إنى أقدر أن أنقض هيكل الله وفى ثلاثة أيام أبنيه" (مت 26: 60-61).
ومما لا شك فيه أن هذين الشاهدين قد سمعا يسوع فى الهيكل عندما تفوه بهذا القول ولكنهما شوها هذا القول وقدماه بما يخدم الإتهام المطلوب. ورغم هذا فهما قد عرفا المسيح وسمعاه، فإذا لم يكن هو الماثل أمامهما لكانا قد عرفاه.
4- شهود عيان لأحداث ما قبل الصلب
بعد المحاكمة الدينية أمام حنان وقيافا والسنهدريم، ثم المحاكمة المدنية أمام بيلاطس، صدر الحكم بصلب المسيح. وهناك عدة أمور قد حدثت منها نستطيع أن نعرف شخص المصلوب:
طبقاً لقانون الجزاء الرومانى كان المصلوب يحمل آلة عذابه وموته، ويطاف به وهو حامل صليبه فى شوارع المدينة ليكون عبرة للآخرين. وقد أخذوا المسيح ومضوا به "فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذى يقاله له موضع الجمجمة... حيث صلبوه.. وكتب بيلاطس عنوانا ووضعه على الصليب وكان مكتوباً: يسوع الناصرى ملك اليهود. فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود، لأن المكان الذى صلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة. وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية" (يو 19: 17-20).
- من هنا نرى أن المسيح، وهو حامل صليبه إلى خارج المدينة (عب 13: 12)، رآه الكثيرون ومن المؤكد أن بعضهم قد عرفه وتعرف عليه. ثم أن المكان الذى صلب فيه كان قريباً من المدينة. فهل عميت عيون الجميع فلم يعرفوا هل هذا يسوع المسيح أم يهوذا الإسخريوطى؟
النسوة الباكيات على المصلوب:
"وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتى كنيلطمن أيضاً وينحن عليه، فإلتفت يسوع وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين على بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن.. لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس" (لو 23: 27،28،30).
لقد تبع يسوع - وهو حامل صليبه - جمهور كثير من الشعب والنساء، فهل فى كل هذا الجمهور لم يوجد شخص يستطيع أن يعرف هل هذا هو المسيح أم شخص آخر غيره؟
- وعندما تحدث إلى النسوة، هل لم يستطع الجمهور أن يميز صوته الذى قد سمع كثيراً من خلال عظاته وتعاليمه، وأعتقد أن يسوع كان له صوت مميز بدليل أن مريم المجدلية لم تتعرف عليه عند قيامته،ولكن عندما خاطبها يا مريم، عرفته من صوته (يو 20: 16)
ما قاله الشخص المصلوب هنا هو نبوة عن خراب أورشليم بعد أربعين سنة. وكما كان الرومان آلة بيد اليهود لموت المسيح (العود الرطب)، سيكون الرومان أنفسهم أيضاً آلة بيد الله للانتقام وإحراق العود اليابس (اليهود).
5- شهود الصلب:
كان عند الصليب أحباء المسيح وأعداؤه، وهم شهود عيان لما حدث:
1- تلاميذه وأحباؤه:
" كانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية، فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذى كان يحبه واقفاً، قال لأمه: يا امرأة هوذا ابنك ثم قال للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته" (يو 19: 25-27).
فإذا جاز الخطأ والإشتباه على الغرباء، فهل يجوز على الأقارب والأحباء؟ هل يجوز الخطأ على العذراء مريم، فلا تتعرف على ابنها. اعتقد أن هذا مستحيل. ويوحنا، وقد كلمه المصلوب وسلمه أمه، يسجل لنا كشاهد عيان لموت المسيح على الصليب، هذا القول "والذى عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يو 19: 35).
2- الكهنة والكتبة والمارة والمجدفون:
" كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه فى ثلاثةأيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فإنزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به" (مت 27: 39-42) وأيضاً (مر 15: 29-31، لو 23: 35-37).
فهل لم يتصادف أن يكون بين هؤلاء شخص واحد يستطيع أن يتعرف على المصلوب إذا لم يكن هو المسيح؟
3- قائد المئة والذين معه من الجنود:
هل لم يكن أحد منهم عارفاً السيد بالمسيح؟ أن قائد المئة عندما رأى ما رافق الصلب من أحداث ارتبطت بشخص المسيح قال: "حقاً كان هذا ابنالله" (مت 27: 54). ثم أن رفض المصلوب أن يشرب المخدر يؤكد أنه هو المسيح. "ولما أتوا إلى موضع يقال له الجلجثة، وهو يسمى موضع الجمجمة، أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب. ولما ذاقه لم يرد أن يشرب" (مت 27: 33-34).
" كانت العادة عند اليهود،كما كانت عند سائر الشعوب القديمة، أن يعطى المحكوم عليه بالموت شراباً مخدراً، يلطف من ألمه، ذلك هو الشراب الذى ذكره متى، أن المسيح ذاق ولم يرد أن يشرب، لأنه أخذ على نفسه أن يشرب الكأس التى أرادها له الآب لتكون للفداء ".
6- شهود العيان لعملية الدفن:
بعد موت المسيح تقدم يوسف الرامى وطلب جسد المسيح لتكفيه ودفنه (مر15: 42-43). وكانت الشريعة الرومانية تبيح أن تعطى أجساد المحكوم عليهم لمن يطلبها ليقوم بدفنها. وأخذ يوسف الرامى ونيقوديموس جسد يسوع ولفاه فى أكفان مع أطياب وحنوط وتم دفن الجسد فى قبر يوسف الرامى (مت 27: 57-61، مر 15: 42-47، لو 23: 50-56،يو 19: 38-42).
فهل هذان أيضاً عميت عيونهما فلم يفرقا بين المسيح ويهوذا؟ أم أنهما اشتركا فى الخدعة وقاما بتكفين جسد يهوذا على أنه هو المسيح؟ أن الصفات التى ذكرت عنهما فى الكتاب تجعلهما بمنأى عن هذه الشبهات. فيوسف الرامى، تلميذ ليسوع (مت 27: 57) وهو مشيرشريف (مر 15: 43) وكان رجلاً صالحاً باراً (لو 23: 50)، أما نيقوديوس فهو فريسى رئيس لليهود ومعلم إسرائيل (يو3: 1،10).
7- شهود العيان لظهورات المسيح بعد القيامة من الموت:
لو كان المصلوب هو يهوذا أو أى شخص آخر، لم يكن هناك قيامة من الموت إلا يوم البعث والحساب.ولكن لأن المصلوب هو السيد المسيح الذى سبق وأعلن لتلاميذه مرات أنه سوف يصلب وفى اليوم الثالث يقوم (متت 16: 21، 17: 9، 20: 17-19، يو2: 18-20)، فقد قام من الموت (مت 28: 6-7، مر 16: 6، لو 24: 7، يو 20: 9). وقد شهد لحقيقة قيامته كثيرون؛ فقيامة المصلوب من الموت وظهوره لشهود عيان كثيرين يعرفونه تمام المعرفة يؤكد أن المصلوب هو السيد المسيح.
أقوال المصلوب:
من خلال الأناجيل الأربعة نجد أن المصلوب قد تفوه بسبعة أقوال وهو على الصليب. وبالنظر إلى هذه الكلمات نجدها تعلن أن المصلوب هو السيد المسيح، ولا يمكن أن يكون شخصاً آخر غيره.
الكلمة الأولى:
وفيها يقول "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). لقد التمس العذر لصالبيه رغم آلامه الجسدية.
فهل لو كان المصلوب أى شخص آخر غير السيد المسيح يستطيع أن يفعل مثل هذا؟ إنها طبيعة السيد المسيح هى التى أملت عليه هذا القول وجعلته ينسى آلامه الرهيبة ويتشفع من أجلهم؛ وهو بذلك قدم مثالاً عملياً لتنفيذ وصاياه... فقد قال من قبل "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (مت5: 44).
فالسيد المسيح هنا ينفذ بنفسه ما سبق أن أوصى به.وهذا يؤكد أن المصلوب هو المسيح.
الكلمة الثانية:
عندما قال اللص اليمين للسيد المسيح "اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك أنك اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 23: 42-43) إنه بهذا القول يعلن ثقته فى النهاية. وهو هنا يعده بأنه سوف يدخل معه الفردوس فى نفس اليوم، وكلمة الفردوس هنا تشير إلى مقر المباركين فى العالم الآتى (2كو1: 3، رؤ2: 7). وقول المصلوب للص بأنه سيكون معه فى الفردوس. يعنى غفران خطاياه. وهنا يمارس المسيح سلطانه الإلهى فى مغفرة الخطايا.
فلو كان المصلوب هو يهوذا أو أى شخص آخر:
فمنأين جاءه اليقين فى دخول الفردوس؟ وهو خائن قد باع سيده.
كيف له أن يعد شخصاً آخر بدخول الفردوس؟ وهو لا يملك هذا لنفسه.
من أين له سلطان مغفرة الخطايا حتى يتمكن اللص من دخول الفردوس. هذا يؤكد لنا أن المصلوب هو السيد المسيح، لأنه واثق من النهاية، واستجاب لطلب اللص عندما عرف حقيقته ودعاه "يا رب"، وفى الحال غفر خطاياه ووعده بأنه سيكون معه فى الفردوس فى نفس اليوم.
الكلمة الثالثة:
عندما أوشك السيد المسيح أن يفارق الحياة وهو على الصليب، أدار بصره فرأى أمه العذراء مريم وبدأ يفكر فى الأيام الحزينة التى تنتظرها، ورأى بجوارها يوحنا تلميذه الذى يحبه فنظر إلى أمه، مشيراً إلى يوحنا وقال: "هوذا ابنك"، ثم نظر إلى يوحنا تلميذه مشيراً إلى أمه وقال: "هوذا أمك" (يو 19: 26-27).
وهاتان العبارتان تؤكدان أن المصلوب هو السيد المسيح.
لأنه من المؤكد أن العذراء مريم، لو كان المصلوب شخصاً آخر غير السيد المسيح، لعرفت ذلك من شكله ومن صوته، حيث أنها كانت على مسافة قريبة جداً حتى تسمع هذا الكلام، وإذا أخطأ كل الناس فى معرفة السيد المسيح، فلا يمكن أن تخطئ العذراء فى معرفة إبنها. وإلا فقل على كل عواطف الأمومة السلام.
لو كان المصلوب هو أى شخص آخر غير السيد المسيح، لأمكن ليوحنا تلميذه المحبوب اكتشاف ذلك.
إذا كان المصلوب هو يهوذا، فما الداعى لأن يستودع العذراء مريم لدى يوحنا ويقول لها هوذا ابنك وهو يعلم أن المسيح ابنها مازال حياً.
فالكلمة الثالثة تؤكد صحة دعوانا أن المصلوب هو السيد المسيح
قبل أن تبدأ عملية الصلب، اخترقت جماعة من النسوة اللاتى ينتمين لهيئة الإسعاف والرحمة، وهن يحملن إريقاً من رحيق مخدر وبضع كؤوس. لقد كانت هذه هى إحدى عمليات الرحمة، التى يسمح بها الرومان لأولئك الذين على وشك الموت.. واتجهت جماعة النسوة إلى الأسير الأوسط، يسوع، وصببن الخمر له فى الكأس، ونظر السيد بتقدير إلى عواطف أولئك النبيلات، وإلى دموعهن السائلة، وإلى عمل الرحمة الذى يتقدمن به، ولكنه هز رأسه ولم يشأ أن يذوق شيئاًً. لقد فضل أن يتجرع كأس الآلم حتى الثمالة،دون أن يخفف ذرة من أثرها المرير". فالمصلوب لم يشرب لأنه المسيح، ولو كان يهوذا أو آخر لشرب وطلب المزيد ليشرب ليخفف من آلامه.