هل الله يضحك (مز4:2)
هل الله يضحك ويستهزئ بالإنسان: "اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" (مز 2 : 4)؟ وكيف يقول داود النبي: "أَمَّا أَنْتَ يا رب فَتَضْحَكُ بِهِمْ. تَسْتَهْزِئُ بِجَمِيعِ الأُمَمِ" (مز 59 : 8)؟ فهل الله خلق الأمم والشعوب لكيما يضحك عليها ويستهزئ بها؟ ندخل إلى الرد
الرد
1ـ هذا سؤال غير برئ، لأنه طبق الآية تطبيقًا خاطئًا بقصد التضليل، ففي الآية الأولى أخذ الجزء وطبَّقه على الكل بدون استثناء، متغافلًا الضمير "بهم" وعلى من يعود؟.. هل يعود على البشرية، كل البشرية؟! هل يعود على الإنسان، كل الإنسان؟! والإجابة واضحة عندما ترجع للآيات السابقة لهذه الآية، وهيَ آيات واضحة جدًا، وأن هؤلاء الذين يستهزئ الرب بهم هم الذين تآمروا على الرب وعلى مسيحه: " قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا" (مز 2: 2، 3).. إذًا ليس المقصود البشرية أو الإنسان ككل دائمًا، وإنما المقصود هو هؤلاء المتآمرين.. وفي الآية الثانية من هم الأمم التي يستهزئ به الرب؟.. لقد أوضح داود الحقيقة عندما قال: " وَأَنْتَ يا رب إِلهَ الْجُنُودِ، إِلهَ إِسْرَائِيلَ انْتَبِهْ لِتُطَالِبَ كُلَّ الأُمَمِ. كُلَّ غَادِرٍ أَثِيمٍ لاَ تَرْحَمْ" (مز 59 : 5)، فواضح أن الله يستهزئ بجميع الأمم الغادرة الأثيمة، الذين يعظمون أنفسهم وألسنتهم مثل السيوف، ويظنون أن الله لا يراهم ولا يسمعهم: " هُوَذَا يُبِقُّونَ بِأَفْوَاهِهِمْ. سُيُوفٌ فِي شِفَاهِهِمْ. لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ سَامِعٌ" (مز 59 : 7).
2ـ ما هو المقصود بأن الله يضحك ويستهزئ بالأشرار؟.. المقصود أن الله يبطل مشورتهم التي طالما اجتهدوا في تدبيرها، ويحطم فخاخهم التي نصبوها للأبرار، ويُلاشى شرورهم التي دبروها لمستقيمي القلوب، وهذا ما أوضحه داود النبي قائلًا: " الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ. الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ! الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ، لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ، وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ" (مز 37 : 12 - 15).. عندما حاصر سنحاريب أورشليم بجيش جرار مستهزئًا بها وبملكها وبإلهها، كان رد الرب عليه: " احْتَقَرَتْكَ وَاسْتَهْزَأَتْ بِكَ الْعَذْرَاءُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ" (2مل 19 : 21).. يظن الأشرار أنهم سيقهرون الكـل حتى الله نفسه، وهُم يجهلون أن كل ما لديهم من قوة وإمكانات وحياة إنما هيَ منَّة منه، وعندما يحجب الله نعمته ومعونته عنهم يتخبطون في الظلمة، ويفشلون فشلًا ذريعًا في جميع خططهم وقراراتهم، فيصيرون أضحوكة وهزءأً أمام الجميع، وجاء في سفر الأمثـال: "لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ" (أم 1 : 24 - 26).
مقتبس من كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها - أ. حلمي القمص يعقوب