هل تأثر بولس الرسول بالمانويَّة ؟
هل تأثر بولس الرسول بالفكر المانويَّ، حتى أنه نظر للزواج نظرة دونية وقال: "فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً"؟ ندخل إلى الرد
الرد
1- كتب أهل كورنثوس لبولس الرسول يسألونه ويستفسرون منه عن بعض الأمور، ومن أسئلتهم : أيهما أفضل الزواج أم البتولية؟ فرد عليهم قائلًا: " وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا. فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا" (1كو 7 : 1، 2). لم يُحرّم بولس الرسول الزواج كما حرَّمه ماني، إنما فضَّل البتولية عن الزواج على الأقل لسببين، أولهما: الإنسان المتبتل يستطيع أن يُكرّس كل وقته وجهده وطاقاته لبناء حياته الروحية وخدمة الآخرين بلا عائق، وثانيهما: أن المسيحيين حينذاك كانوا يجوزون في اضطهادات مريـرة بسبب تمسكهم بإيمانهم، فكان من الأسهل أن يحمل الإنسان عبء نفسه فقط عن أن يحمل عبء زوجته وأولاده، وهذا ما أوضحه بولس الرسول بقوله: " فَأَظُنُّ أَنَّ هذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ أَنَّهُ حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هكَذَا.. لكِنَّكَ وَإِنْ تَزَوَّجْتَ لَمْ تُخْطِئْ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْعَذْرَاءُ لَمْ تُخْطِئْ. وَلكِنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ يَكُونُ لَهُمْ ضِيقٌ فِي الْجَسَدِ. وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُشْفِقُ عَلَيْكُمْ" (1كو 7 : 26، 28)، وانتهى بولس الرسول إلى قوله: " إِذًا مَنْ زَوَّجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ" (1كو 7 : 38)، بينما نهى ماني أتباعه من المختاريـن عن الزواج، وحرَّم عليهم أكل اللحوم.. إلخ، لأنه نظر للمادة وللجسد وللزواج ولأكل اللحوم على أنها شرور، وقد حذر بولس الرسول من انتشار مثل هذه البدع مع قرب نهاية الأيام فقال: " وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ.. مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ" (1تي 4 : 1، 3).
2ــ أعطى بولس الرسول الزواج قدسيته، فوصفه بأن سر عظيم. قائلًا: " مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِـدًا. هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ" (أف 5 : 31، 32)، وكرَّم سر الزيجة قائلًا: " لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ" (عب 13 : 4)، بل أنه شبه ارتباط الرجل بزوجته بارتباط المسيح بالكنيسة: " أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ. لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ.. أَيُّهَا الرِّجَالُ أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (أف 5 : 22 - 25).
3ـــ اهتم بولس الرسول بالزواج، لأنه بدون زواج لن يكون هناك كنيسة ممتدة، واهتم أن تكون الأسرة المسيحية أيقونة رائعة، فقال: " أَيَّتُهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ. أَيُّهَا الرِّجَالُ أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ. أَيُّهَا الآبَاءُ لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا" (كو 3 : 18 - 21).
4ـــ أوضح بولس الرسول أن الزواج صون للنفس، فقال: " وَلكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبُطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا. لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ" (1كو 7 : 8، 9)، ولم يمنع بولس الرسول الزواج الثاني، فقال: " الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيًّا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ فِي الـرَّبِّ فَقَطْ" (1كو 7 : 39) (راجع أيضًا رو 7 : 32)، بل أنه أوصى بزواج الأرامل الحدثات قائلًا: " فَأُرِيدُ أَنَّ الْحَدَثَاتِ يَتَزَوَّجْنَ وَيَلِدْنَ الأَوْلاَدَ وَيُدَبِّرْنَ الْبُيُوتَ" (1تي 5 : 14).
5ـــ لم يحقر بولس الرسول من شأن المرأة قط، بل ساوى بينها وبين الرجل، فليست المرأة أقل من الرجل ولا الرجل أزيد من المرأة في شيء، فقال: "غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ" (1كو 11 : 11، 12).
مقتبس من كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها - أ. حلمي القمص يعقوب