السبب الأول للتجسد
السبب الأوّل [للتجسّد]، الّذي هو من جانب الله، هو جودة الله الغير المتناهية الّتي، بعدم تناهي فضلها، اقتضَت فعلًا مناسبًا لها، أي فعلًا يحوي فضلًا متناهٍ. ولم يكن ممكنًا أن يتقوّم هذا الفعل بجميع الأفعال الّتي صدرَت عن قدرة الله، حيث أنّ كلّ ما جاد به تعالى على براياه جارجًا عن ذاته هو متناهٍ لا يناسب ولا يوجد كافيًا لحركة جودته اللامتناهية. فلذلك أحبّ الله أن يجود على الخليقة بذاتهِ مظهرًا فضله الغير المتناهي وجودته الّتي لا تحدّ، ممجدًا ذاته مجدًا غير متناهٍ، بتفضّله على براياه بجودةٍ غير متناهية. أمّا كيفيّة هذا الجود الإلهيّ الغير المتناهي الّذي جاد به تعالى على براياه بذاته، فهو اتحاده بطبعنا البشريّ وقيام هذه الطبيعة بأقنوم إلهيّ من أقانيمه الثلاثة وذلك لكي تكون مشتركة فيما لله وتُدعى طبيعة الله نفسها لاتِّحادها بأقنومِه الإلهيّ الّذي تألّهت به وارتقت
إلى سمو الجلال الإلهيّ.
عبد الله الزاخر، البرهان الصريح في حقيقة سريّ دين المسيح، (الشوير، 1764) ص. 81-83