هل البشارات الأربع التي تحكي لنا قصة حياة المسيح محرفة وتم التلاعب فيها؟ المقال الخامس ... 5
بدأنا سلسلة مقالات ترد على هجوم الأستاذ محمد السعدي على صحة البشارات الأربع التي أوحى بها الله عن قصة حياة المسيح من مولدة ومعجزاته وتعاليمه وموته وقيامته وصعودة، ونكمل اليوم المقال الخامس الي نتعرض فيها لبعض الشبهات حول صحة بشارة تلميذ المسيح متى
وهل هو كاتبها أو لا؟
وقد ناقشنا في المقالات الأربع السابقة بعص مما أثارة الأستاذ محمد السعدي عن صحة قصة البشارات الأربع حيث ناقشنا عدد من الاعتراضات التي سجلها مهاجمًا البشارات الأربع عن عدم كتابة أحدهم للبشارة التي عليها اسمه حيث يرى سيادته أن الأسماء الموجودة لا تمت للكاتب بصلة
ونكمل اليوم هجومه على بشارة متى أو إنجيل متى
1 – انجيل متى
الشبهة :
الكاتب يتحدث بصيغة الغائب لا المتكلم ولا يوجد رأيت وسمعت ، فلا يوجد ما يشير لمتى تلميذ المسيح
الرد
1- لأن هذه الطريقة كانت هى المعروفة والمشهورة فى هذا التوقيت وهذه الطريقة لا تعيب الكاتب ولا النص المكتوب خاصة أن لدينا شهادات كثيرة تؤيد أن متى هو من كتب هذا الإنجيل وكل من حوله من تلاميذ ورسل للمسيح يعرفون أن متى هو كاتب الأنجيل
2- هناك شهادات كثيرة سوف نقدمها في المقال القادم تدل بوضوح على أن متى كتب هذه البشارة وأن الجميع يعرفون ذلك
الشبهة :
ورد فى كثير من المراجع أن متى كتب بالعبرانية ثم ترجم الى اليونانية وبهذا لا نستطيع الجزم بنسبة الإنجيل الموجود الان الى متى لأن الأصل العبرى مفقود ولا توجد إلا الترجمة اليونانية والمترجم مجهول ولا مجال للتأكد من مطابقة الترجمة للأصل ونزاهة المترجم وكفاءته كما أن بابياس قال عام 130 " إن متى ألف إنجيله بالعبرية وكل شخص فسره حسب قدرته "
الرد
1- ما قاله بابياس مستخدما اللفظ (Talogia ) تعنى ( أقوال الرب ) وهذا لا يعنى أنه كتب كل شئ فكتب بالعبرية بعض أجزاء من أقوال المسيح . أما التسجيل الكامل فقد كان فى الانجيل باللغة اليونانية
كما قال G . W . H إن (Talogia ) لا تعبر عن الإنجيل لكنها تعبير وصفى ظهر وقت بابياس يعنى ( أقوال الرب ) لأن الدليل المبكر من المخطوطات القديمة يظهر ان كلمة إنجيل تعنى ( To Euaggelion )
وبابياس عند تفسيره للكتاب المقدس لم يتسخدم التعبير اليونانى Talogia
يقول العالم روبرتسن :
" لا يوجد سبب حقيقى يمنع ان يكون متى هو كاتب انجيله باللغتين العبرية واليونانية "
2- يؤكد العالم جوندرى أن متى كان ملما ًبعدة لغات وهذا واضح من اقتباساته من العهد القديم سواء من السبعينية اليونانية أو العبرية ولأنه يوجد امتزاج عجيب فى الأيات المقتبسة من السبعينية مع التوراة العبرية وبقايا الآرامية
3- يحدد العالم زاهن ميعاد ترجمة النص العبرى إلى اليونانى بقوله :
" إن ظهور الترجمة اليونانية لإنجيل متى حدث قبل نهاية القرن المسيحى الأول وذلك حدث فى إقليم اسيا الصغرى ويؤكد الشهود أن ذلك كان قبل نهاية القرن الاول "
عدم وجود مخطوطات للنص العبرى لا يعيب الكتاب المقدس فقد انتهى بسبب عوامل الزمن وبقى النص اليونانى كما كتبه متى ولدينا حتى الآن كما هو . كما أنه لا يوجد أثر للعسب أو الأحجار أو العظم الذى كتب عليه القران ولا يوجد النص الذى كتبه زيد بن ثابت اثناء جمع القران وضياع هذه المواد لا يعنى تحريف القرآن بل نرجع هذا إلى عوامل الزمن
لا يوجد علاقة تربط بين عدم وجود النص العبرى وكتابة متى إنجيلاً باليونانية فهذا لا ينفى ذاك
هناك من يرى أن إنجيل متى كتب باللغة اليونانية
يقول الدكتور القس منيس عبد النور عند رده على هذه الشبهة فى كتابه شبهات وهمية حول الكتاب المقدس1
" ليس هناك ما يعيب إنجيل متى لو أنه كُتب أولاً بالعبرية ثم تُرجم لليونانية، فالكتب المقدسة الموحى بها من الله لا تضيع معانيها ولا طلاوتها إذا تُرجمت إلى اللغات الأخرى. ولو سلّمنا جدلاً أن هذا الإنجيل كُتب باللغة العبرية لقلنا إن الرسول كتبه باللغة اليونانية أيضاً، فكان موجوداً باللغتين اليونانية والعبرية معاً.
والأغلب أن فكرة كتابة متى لإنجيله باللغة العبرية جاءت نتيجة ما اقتبسه المؤرخ يوسابيوس عن بابياس أسقف هيرابوليس سنة 116م قال: »كتب متى إنجيله باللغة العبرية، وكان إنجيل متى متداولاً بين الناس باللغة اليونانية«.
ولكننا نعتقد أنه كُتب باللغة اليونانية للأسباب التالية:
(1) لأنها اللغة المتداولة والمعروفة في عصر المسيح ورسله. ولما كانت غاية الله إعلان مشيئته، أوحى بها باللغة المتداولة. وقد كتب جميع الرسل الأناجيل والرسائل باللغة اليونانية.
(2)كان متى يعرف اليونانية، فقد شغل وظيفة عشار قبل اتِّباعه للمسيح، وما كان يمكن أن يؤدي واجبات وظيفته لدى الرومان بدون معرفتها.
(3) من يتتبَّع العبارات التي استشهد بها متى مِنْ كتب العهد القديم يجدها مأخوذة من الترجمة السبعينية (وهي الترجمة من العبرية إلى اليونانية)، وفيها اختلاف في اللفظ (لا في المعنى) عن الأصل العبري. فلو كان متّى كتَب أصلاً باللغة العبرية لَجاَءَت الآيات الواردة فيه كما جاءت حرفياً في التوراة العبرية.
(4) يوجد توافق في كثير من عبارات إنجيل متى وعبارات باقي الأناجيل. ولو جاء بغير هذه اللغة لما وُجد هذا التوافق.
(5) قال إيريناوس (سنة 178م) إن متى نشر إنجيلاً بين العبرانيين بلغتهم، مما يعني أنه زيادة على إنجيله باللغة اليونانية، نشره بالعبرية لفائدة الناطقين بها. وقال أوريجانوس (سنة 230م):
»بلغني من التقاليد المأثورة عن الأربعة الأناجيل التي تتمسك بها كل الكنائس تحت السماء، أن الإنجيل الأول وحيٌ لمتّى الذي كان عشاراً وبعد ذلك صار رسولاً ليسوع المسيح، الذي نشره للمؤمنين في اليهودية بأحرف عبرية«.
فهذه الشهادة تدل على أن إنجيله كان باللغة اليونانية لفائدة جميع المسيحيين، ثم نشره بالعبرية لفائدة اليهود. "
وتعلق دائرة المعارف الكتابية على ذلك2
العلاقة بين الإنجيل اليونانى والإنجيل الأرامى :
والمؤكد هو أنه مهما كان هذا الإنجيل العبرى (الأرامى) ، فهو لم يكن الصورة الأصلية التى ترجم عنها الإنجيل اليونانى الذى بين أيدينا ، سواء بواسطة الرسول نفسه أو بواسطة أحد آخر كما يقول بنجل وتريش وغيرهما من العلماء. فإنجيل متى – فى الحقيقة – يعطى الأنطباع بأنه غير مترجم بل كتب أصلاً فى اليونانية ، فهو أقل فى عبريته -فى الصياغة والفكر- من بعض الأسفار الأخرى فى العهد الجديد، كسفر الرؤيا مثلاً . فليس من الصعب – عادة- اكتشاف أن كتاباً فى اليونانية من ذلك العصر مترجم عن العبرية أو الأرامية ، أو غير مترجم . وواضح أن إنجيل متى قد كتب اصلاً فى اليوناينة ، من أشياء كثيرة، منها كيفية استخدامه للعهد القديم، فهو أحياناً يستخدم الترجمة السبعينية ، وأحياناً أخرى يرجع إلى العبرية، ويظهر ذلك بوضوح فى الأجزاء 12: 18-21، 13: 14و 15 حيث نجد أن الترجمة السبعينية كانت تكفى لتحقيق غرض البشير ، لكنه – مع ذلك – يرجع إلى النص فى العبرية مع أنه يستخدم الترجمة السبعينية أينما يجدها وافية بالغرض.
والأدلة الخارجية على استخدام إنجيل متى أصلاً فى العبرية أو الأرامية، فى الكنيسة الأولى ، هى أدلة غير قاطعة ، فيوسابيوس يذكر خبراً عن أن بانيتنوس وجد – فى حوالى 170م – بين المسيحيين من اليهود – ربما فى جنوب الجزيرة العربية – إنجيلاً لمتى فى العبرية، تركه هناك برثلماوس – وعندما كان جيروم فى سوريا منحت له الفرصة لرؤية مثل ذلك الإنجيل الذى وجده عند الناصريين ، والذى ظنه فى البداية من كتابة الرسول متى ، ولكنه صرح فيما بعد بأنه لم يكن كذلك ، بل كان "إنجيل العبرانيين" الذى يسمى أيضاً إنجيل الاثنى عشر رسولاً أو إنجيل الناصريين وكان متداولاً بين الناصريين والأييونيين ، ولهذا فإن إشارات إيريناوس وأريجانوس ويوسابيوس إلى الإنجيل العبرى لمتى، يعتبرها الكثيرون من العلماء على أنها تشير إلى الإنجيل العبرى الذى كان يستخدمه المسيحيون من اليهود والذى كانوا يظنونه من كتابه البشير. وهكذا يظل إنجيل متى العبرى الذى أشار إليه بايياس (على فرض أنه وجد حقيقة ) ، لغزاً لم يحل بالوسائل المتاحة لنا الأن، وكذلك مسألة العلاقة بين النصين العبرى واليونانى. ويبقى هناك احتمال أن الرسول نفسه ، أو أحد الأشخاص تحت إرشاده (كما يقول جودت) كتب نسخة يونانية منقحة عن نسخة أرامية سابقة.
1منيس عبد النور، شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، ط 3 (القاهرة: كنيسة قصر الدوبارة، 1998) صفحة 253
2دائرة المعارف الكتابية – حرف أ – اناجيل – انجيل متى
هذا المقال مقتبس من كتاب
"الأناجيل موثقة وسليمة وهذه هي الأدلة" .. لوثر خليل