إشكاليات العهد القديم 2
بدأنا في تقديم عدد من المقالات التي تتحدث عن إشكاليات العهد القديم
وقدمنا في المقال السابق إشكالية
العلم في الكتاب المقدس يمكنك الرجوع لها على هذا اللينك
واليوم نناقش قضية إشكالية أخرى من إشكاليات العهد القديم وهي:
إهانة الأنبياء في العهد القديم
يُظهر العهد القديم الأنبياء في صورة زناة عتاة الإجرام، ذات سلوك سيء مشين لا يتماشى مع قدسيتهم التي أعطاها الله لهم باختيارهم أنبياء يقومون بتوصيل رسالته للبشر
لكن
هل للأنبياء خطايا ومعاصٍ أم انهم أطهار؟ هل هم معصومون من الخطية ومنزهون عن الذنوب؟ هل هم أبرار وألصق الكتاب المقدس بهم الخطايا؟ وإذا كان فما السبب يا ترى؟ لماذا يتهم الكتاب المقدس الأنبياء بعمل المعاصي لو كانوا قد ارتكبوها فعلاً؟
وإذا كانوا بشرًا وفعلوا الخطية لماذا سجلها الوحي المقدس؟ ليفضحهم يا ترى أم لماذا؟
هل ذكر القران الكريم شيئًا عن هذا؟ هل ذكر عن الأنبياء أي شيء؟ ولماذا يذكرها إن كانت؟ ولماذا ينكرها البعض إذا ذكرها القران الكريم؟
يذكر الكتاب المقدس خطايا الأنبياء للأسباب التالية:
1-ليعلمنا أن كل البشر خطاة ولا يوجد بينهم إنسان كامل، "الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ." (مزمور 14: 3)، "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 12) إلا السيد المسيح هو الوحيد الذي لم يفعل المعصية أبدًا لا فكرًا ولا قولاً ولا فعلا ً
2-ليعلن أن جميع البشر يحتاجون إلى خلاص المسيح، ولا إنسان يمكنه أن ينجو من قبضة إبليس إلا بما فعل المسيح على الصليب، حين كفّر عن ذنوب كل البشرية وبلا استثناء
3-سجل الكتاب المقدس ما فعلوه كما هو بوضوح، سجل الحدث كما حدث، مثلما سجل الكتاب المقدس والقران أن ادم عصى ربه وطرده من الجنة، وأن موسى قتل، فهو تسجيل لما حدث، فكما تسجل الجرائد أي خبر عن قتل أو سرقة أو اغتصاب، فهو تسجيل لخبر وليس تشجيعًا على فعل القتل أو السرقة أو الاغتصاب
4-سجل لنا الكتاب المقدس بالوحى الإلهي خطايا الانبياء، حتى نتعلم منها، وسجل أيضًا عقاب الله لهم ولغيرهم على خطاياهم، حتى نتعلم نحن ونحتاط من السقوط في فعل الخطية، سجل الله الخطايا لتكون عبرة لنا
5-سجل الكتاب المقدس مميزات الأنبياء، إذ سجل لنا طهارة يوسف، وعدم فعل الزنى، وسجل طاعة النبي إبراهيم حين أمره الله أن يقدم ابنه، وسجل كثيرًا لبشر فعلوا الصالحات، فما المشكلة أن يسجل أيضًا سقطات البعض
والحقيقة الواضحة وضوح الشمس، أنه لا توجد اية واحدة، تشجع أو تحض الأنبياء أو غيرهم من البشر على فعل المعصية، بل على العكس فقد أمر الله سبحانه البشر بعدم فعل المعصية على الإطلاق، والحياة بقداسة وليس أقل من القداسة
يقول جون جلكريست في كتابه
هل الكتاب المقدس هو كلام الله؟ صفحة 15
"أما المسيح فهو الإنسان الوحيد الذي عاش دون أن يخضع لنزوات ورغبات وضعيفات باقي البشر. ويسأل ديدات في ضوء ما جاء في ٢تيموثاوس ٣: ١٦ تحت أي عنوان نستطيع أن نرتب القصص التي يذكرها؟ وسوف أعطيه جواباً على سؤاله
1 من أجل التعليم: بأنَّ كل الناس خطاة بما في ذلك الأنبياء وأحسن الناس. والجميع في حاجة إلى الغفران، الذي هو هبة نعمة الله في المسيح يسوع.
2 من أجل التوبيخ: لا يمكن أن يرتكب الإنسان الشر ضد الله دون أن يجني العواقب.
لقد كان يهوذا أكبر من شقيقه يوسف. ولقد ارتكب يهوذا الإثم المعيب مع زوجة ولده دون أن يعرف من تكون. ولكن يوسف رفض أن يرتكب الإثم مع زوجة فوطيفار. وعاقب الله يهوذا وكافأ يوسف، عندما جثا يهوذا وإخوته جميعاً أمام يوسف حاكم مصر، وهم يطلبون منه الطعام الذي يمسك رمقهم!
3 من أجل التقويم: رغم أنَّ الله قد يغفر لنا ذنوبنا، لكنه قد يجعلنا نعاني من نتائجها، لأنَّ في هذا خير لنا. لقد نال داود الغفران عما ارتكبه من زنا، ولكنه عانى من أربع هزائم كبيرة في حياته نتيجة لخطيته. وقد ساهم ذلك في تقويمه، فلم يرتكب مثل ذلك الإثم مرة أخرى.
4 من أجل التدريب في البر: هذه الأحداث جميعاً ترينا أنَّ الإنسان ليس فيه برٌ موروث، لكن لديه فقط أشر الإمكانيات إذا توافرت له الفرصة أن يرتكب أفظع الشرور. وما يعوزنا هو أن نفتش عن بر الله الذي نناله بالإيمان بالمسيح.
بعد أن تاب داود عن جريمته النكراء صلَّى قائلاً في مزمور 51: 10 -12
"قَلْباً نَقِيّاً ٱخْلُقْ فِيَّ يَا اَللّٰهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ، وَرُوحَكَ ٱلْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي. رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ 1مُنْتَدِبَةٍ ٱعْضُدْنِي"
فالله يذكر خطايا الأنبياء في الكتاب المقدس لفائدة البشر جميعًا، تدريب وتعليم وتوبيخ ولنأخذ احتياطنا من فعل الشر
يقول جون جلكريست كذلك في كتابه
هل الكتاب المقدس كلام الله؟ صفحة 15
"في الفصل الثامن من كتيّبه (هل الكتاب المقدس كلام الله؟) يبني ديدات الكثير على قصة زنا يهوذا بإحدى محارمه وهي ثامار (سفر التكوين ٣٨) وقصص أخرى مشابهة مثل قصة علاقة لوط بابنتيه (سفر التكوين ١٩). ويبني ديدات على هذا أنَّ الكتاب المقدس لا يمكن أن يكون كلمة الله لوجود مثل هذه القصص فيه.
ومن الصعب علينا تتبُّع هذا الخط من التفكير. فلا يمكن أن نرفض كتاباً يقول إنه كلمة الله لمجرد أنه يُظهر الناس – حتى أحسن الناس – في أسوأ حالاتهم. إنَّ كل القصص التي يهاجم بها ديدات تتصل بشرّ الإنسان، ولكنه يغفل قصص الصالحين الأتقياء
ويظهر الله في الكتاب المقدس كله بأنه كلي القداسة وتام الصلاح وعظيم في محبته. ونحن سعداء أنَّ ديدات لا يقول إنَّ صفات الله في الكتاب المقدس موضع لوم، وهذا هو كل ما يهمنا حينما يتصل الأمر بتحديد ما إذا كان كتابٌ ما هو كلمة الله. فإذا كان الكتاب المقدس يكشف عن خطايا البشر، فإنه في الواقع يرفض أن يغطي زلات أحسنهم. ولذلك فهو جدير بأن يكون كلمة الله، لأنه يعني بتسبيح وحمد الله لا الإنسان. إنَّ مجد الله هو هدف الكتاب المقدس وليس المجد الزائف للإنسان"
يقولون أن الكتاب المقدس، يشجع على فعل الرذيلة بذكر خطايا الأنبياء، حتى يقولوا أنه كتاب ليس من عند الله، والحقيقة لو كان كتابًا محرفًا، لفكر
المحرفون بنفس طريقتكم، فحذفوا منه كل هذه النصوص التي تقول أن الأنبياء فعلوا المعصية
وكما يقول مارتن لويد حونز في كتابه الموعظة على الجبل، والجزء الثاني، صفحة 221
"الانسان، نتيجة للخطية والسقوط، لم يعد يحكمه عقله وفهمه، بل تحكمه رغباته، وعواطفه، وشهواته"
فقد سقط الإنسان في الخطية ولا يُستثنى أحد على الإطلاق الأنبياء كغيرهم لا فرق
يقول عزت شاكر في كتاب أصعب الآيات في سفر التكوين صفحات 206- 209
1- لا يوجد نبي معصوم من الخطأ
فنحن لا نؤمن بعصمة الأنبياء عن باقي البشر وما يميز الأنبياء أنهم قدموا توبة صادقة عن خطاياهم، نحن لا نؤمن بعصمة الأنبياء في حياتهم الشخصية، إنما نؤمن بعصمتهم أثناء تسجيل الوحي فقط، حيث عصمهم الله من كل خطأ في نقل أفكاره والتعبير عنها بمفردات حفظهم الله في اختيارها
2- الكتاب المقدس لا ينكر ضعفات أبطاله، فلم يُجمّل الكتاب المقدس صورة أبطاله، إنما ذكر كل شيء بصدق دون تهويل أو تهوين، فذكر الأعمال الصالحة والطالحة، وحين ذكر خطايا الأنبياء لم يذكرها كمدح للخطية بل لإدانة الخطية، ووجود هذه الخطايا دليل على عدم تحريفه، ولو كان محرفًا لحذف اليهود هذه الخطايا
3- لم يتهاون الله مع المخطئين، برغم محبته الشديدة لهم إلا أنه عاقبهم عقابًا شديدًا، فمنع موسى من دخول الأرض وعاقب داود بشدة على خطيته
4- كانت القداسة هي الوضع الطبيعي للنبي بينما السقطة هي الوضع العابر الطارئ
فلماذا يركز النقاد على ذكر الكتاب المقدس للخطية ولا يركزون على الفضائل، نوح بنى الفلك في مائة عام بصبر وطاعة لله، لوط كان بارًا وعاش وسط الشر، إيمان إبراهيم مضرب الأمثال وطاعته لله في تقديم ابنه ذبيحة، وصبر موسى وغيرته المقدّسة، في عبرانيين 11 يتحدث الكتاب المقدس عن فضائل هؤلاء الأنبياء فلماذا لم يتأمل النقاد أقوال الكتاب عنهم وعن فضائلهم، وإذا كان داود قد زنى مرة وقتل، لكن لم تكن حياته كلها زنى وقتل بل كان سقطة عاقبه الله عليها ثم قام من جديد
ملاحظات هامة
يوضح رياض قسيس في كتاب
لماذا لا نقرأ الكتاب الذي قرأه المسيح؟ صفحات 128- 129
الفرق بين القصة الآمرة والقصة الوصفية فيقول
"هناك مبدأ هام في علم التفسير يقضي بالتمييز بين حالتين: الحالة الوصفية والحالة الآمرة.
"يقصد بالحالة الوصفية ذكر الكتاب المقدس لحادثة ما ليس على سبيل الأمر والوصية، بل لمجرد ذكر الحادثة دون تعليق. أما الحالة الآمرة فهي عندما
نجد أمرًا جليًّا أو وصية واضحة لإتباع أسلوب معين أو حذو مثال أحد الأشخاص"
فمثلاً حين يذكر الكتاب المقدس قصة لوط فهي قصة وصفية لما حدث، وحين يقول "لا تزن" فهو أمر
- ما هي الفائدة من الصاق الخطايا بالأنبياء إذ لم تكن قد حدثت فعلاً
يذكر تفسير الخازن عند تفسير سورة ص الآيات 24 – 25
" لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله تعالى"
- ألم يكن الشيطان يعبد الله، ولكنه تكبر على الله سبحانه، فكان شيطانًا رجيمًا يغوى البشر، ليضلهم عن الله، أي أنه تحول الى عدو له بعد أن كان عبدًا يعبده، فهل ذِكر الكتاب المقدس والقران لتحول الشيطان يعنى تشجيعًا للبشر لفِعل ما فَعل
يهاجمون الكتاب المقدس بحجة أن الأنبياء ليس لهم معاصي: ما قولكم عن الشيطان الذي تكبر على الله وعصاه وهو أحد الملائكة؟
سورة ص
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
الطبري – سورة ص 76 "حتى صار شيطانا رجيمًا"
يقول الشيخ العريفي في أحد حلقاته على اليوتيوب
"وطبعًا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى ومعصومون عن الكبائر، هذا باتفاق أهل العلم، أما في الأفعال البشرية، فهم بشر غير معصومين"
مجموع الفتاوى – ابن تيمية – الجزء الرابع
"فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ... أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ مَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ"
لاحظ أنه
لا يوجد اية قرانيه واحدة، أو حديث صحيح واحد، يقول أن الأنبياء معصومون من فعل المعاصي إطلاقًا، لا يوجد، بل أكد القران الكريم والأحاديث الصحيحة على أن كل البشر يفعلون المعاصي
وحول سؤال عن خطايا الأنبياء على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، بالمملكة العربية السعودية: هل الأنبياء والرسل يخطئون؟
أجابت لجنة الرد عليهم
"الأنبياء والرسل يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيم
عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن غديان - عبد الله بن قعود . " فتاوى اللجنة الدائمة " برقم 6290 ( 3 / 194 )"
السؤال المهم الذي يجب أن تجيب عنه وأنت تقرأ العهد القديم وفيه أخطاء الأنبياء، هل وافق الله على خطايا الأنبياء أو رفضها؟
هنا القضية
لو وافق الله عليها وأغمض عينية فهذه كارثة، أما لو رفضها فلأنه إله قدوس يكره الخطية والمعصية مهما كانت قيمة الشخص الذي فعلها
مقتبس من كتاب
جنس وزنى في الكتاب المقدس
لوثر خليل
يمكنك الرجوع للكتاب لتجد تفاصيل أكثر عن قضية الأنبياء، ومناقشة كل حالة من حالات الأنبياء الذين ذكرهم الكتاب المقدس أنهم سقطوا في المعصية وكذلك التفاسير التي شرحت ووضحت خطايا الأنبياء