هل متى أخطا فى اقتباسة من إرميا 31؟
هل متى البشير حرف نص كلام إرميا النبى عن حادثة قتل أطفال بيت لحم ندخل إلى الاعتراض والرد :
قال المعترض: »ورد في متى 2: 17 و18 »حينئذ تمّ ما قيل في إرميا النبي القائل: صوتٌ سُمع في الرامة، نوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين«. وهذا تحريف من الإنجيل، لأن هذا الاقتباس من إرميا 31: 15. ومَنْ طالع الآيات التي قبله وبعده في نبوَّة إرميا يرى أنه لا يتحدث عن حادثة هيرودس، بل عن حادثة بختنصر التي وقعت في عهد إرميا، عندما قُتل ألوف من بني إسرائيل، وأُسر ألوف منهم، وسُبُوا إلى بابل. ولما كان فيهم كثير من آل راحيل تألمت روحها في عالم البرزخ، فوعد الله أن يُرجع أولادها من أرض العدو إلى تخومهم«.
الرد
عبّر البشير متى عن قتل الأطفال في بيت لحم بأقوال إرميا النبي، وكان قصد إرميا النبي في الأصل أن يُعرِب عن التوجّع لما حصل لبني إسرائيل من القتل والسبي، فإنه لما استولى نبوخذنصَّر على أورشليم قتل وجهاءها وأعيانها، وقلع عين ملكها بعد أن قتل ابنيه أمامه، وجمع الأسرى في الرامة ومنهم إرميا النبي. وكان الجميع مكبّلين بالأغلال والسلاسل. ولما سُبُوا من الأوطان وكانوا مزمعين على السفر الأليم، أخذ النبي يعبِّر عن حزنه على هذه الحالة، ويبكي ويستبكي. ولا شك أن قول النبي إرميا تحقق وتمّ في هذه الحادثة المحزنة أيضاً. ولا يخفى أن راحيل كانت قد ماتت قبل السبي بمئات السنين، فكان من البلاغة أن ينسِبَ النبي إليها البكاء والنحيب على أولادها وقت السبي، كما نسَب إليها البشير متى البكاء على أولادها وقت حادثة بيت لحم، فإن ذبح أطفال بيت لحم هو بمنزلة ذبح أولادها، لأنها مدفونة هناك (تكوين 35: 19)، كما أن سكان بيت لحم من ذرية زوجها وأختها، فهم بمنزلة أولادها. وعبارة متى تقول: »راحيل تبكي على أولادها« وهي جملة خبرية لفظاً، أُريد بها إنشاء التحسُّر على ذبح الأطفال. وهذا معهود في اللغة العربية وغيرها، فيجوز للإنسان أن يندب بهذه الصورة، حتى يدعو الشاعر الشجر للبكاء:
أيا شجر الخابور ما لك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريق؟
فكيف لا يجوز نداء الأم لتبكي على أولادها؟
أما قول المعترض إن الأموات يعرفون حال أهلهم وهم في عالم البرزخ فباطل، لأن المسيحية لا تؤمن بوجود برزخ.
مقتبس من كتاب شبهات وهمية حول الكتاب المقدس (د. القس منيس عبد النور )