هل البشارات الأربع التي تحكي لنا قصة حياة المسيح محرفة وتم التلاعب فيها؟ المقال العاشر ..10
مرقس لم يكتب البشارة المسماة باسمه... الجزء الأول
نستكمل اليوم هجوم الاستاذ محمد السعدي حول صحة وموثوقية البشارات الأربعة التي سجلت قصة حياة المسيح
حيث حاول جاهدًا هدم قصة حياة المسيح في البشارات والتشكيك فيها حتى يهدم المسيحية كما يظن لكن لكل ما كتب نجد ردًا منطقيًا مقنعًأ وكتابيًا قويًا نرد به على التشكيك في صحة قصة حياة المسيح الموثقة والتي كتبها تلاميذ ورسل المسيح، ووثقها التواتر والقران الكريم وسوف نورد العديد من الأدلة الأخرى التي تؤكد على صحة قصة حياة المسيح والكتاب المقدس
إليك المقالات التسع السابقة التي تم مناقشة هجوم الاستاذ السعدي عليها
اليوم نناقش هجوم السيد محمد السعدي أن بشارة مرقس لم يكتبها مرقس المعروف لنا والمسجل باسمه
الأدلة على أن مرقس هو كاتب إنجيل مرقس :
اولا – الدليل الخارجى :
إن الدليل الخارجى على كاتب هذا الإنجيل، هو ما جاء فى كتابات الآباء ، وفى المخطوطات القديمة . وأهم ما جاء فى كتابات الآباء ، ما يلى :
1- بايياس :
فى أسيا الصغرى فى حوالى 125م – (كما يقتبس ذلك يوساييوس): "وهذا ما قاله الشيخ أيضاً: إذ أصبح مرقس مترجماً لبطرس ، كتب بتدقيق كل ما تذكره (أو سجله) عن ما قاله أو ما عمله المسيح، ولكن بغير ترتيب، لأنه لم يسمع الرب قط، ولم يرافقه، ولكنه التصق فيما بعد ببطرس الذى اعتاد أن يصوغ تعليمه حسب الحاجة (حاجة سامعيه) ، ولكن ليس من قبيل وضع رواية مرتبة لأحاديث الرب ، ولذلك فأن مرقس لم يخطئ فى كتابته بعض الأمور كما تذكرها، لأنه اهتم بأمر واحد وهو ألا يحذف شيئاً من الأمور التى سمعها وألا يزيف شيئاً فيها".
2- يوستينوس الشهيد :
فى فلسطين والغرب فى حوالى 150م- (فى حواره مع تريفو اليهودى): " وعندما يقال أنه (المسيح) قد أطلق على واحد من الرسل اسم بطرس، وعندما يسجل هذا فى "ذكرياته" مع هذه الحقيقة الأخرى، وهى أنه قد أطلق على ابنى زبدى لقب "بوأنرجس" أى أبنى الرعد…إلخ".
3ـ-إيريناس:
فى أسيا الصغرى وبلاد الغال أى فرنسا (حوالى 175م – كما يقتبسه يوسابيوس): "بعد أن ألبس الرسل قوة الروح القدس، وأعدوا تماماً لخدمة الكرازة لكل العالم ، أنطلقوا إلى أقاصى الأرض يبشرون بالإنجيل، فذهب متى شرقا إلى من هم من أصل عبرانى وبشرهم بنفس لغتهم، اللغة التى كان قد كتب بها إنجيله، بينما ذهب بطرس وبولس غربا وكرزا وأسسا الكنيسة فى رومية ، ولكن بعد رحيل هؤلاء سلَّم لنا مرقس تلميذ بطرس ومترجمه، الأمور التى كرز بها بطرس ، مكتوبة" .
4- أكليمندس الإسكندرى :
(حوالى 200م) : "كانت المناسبة التى كتب فيها إنجيل مرقس كما يلى: بعد أن كرز بطرس علناً بالكلمة فى روما، ونادى بالإنجيل بالروح القدس، توسل كثيرون من الحاضرين لمرقس كواحد من الذين تبعوا بطرس زمناً طويلاً ويذكر كل ما قاله، أن يدون لهم ما تكلم به بطرس. وبعد أن كتب مرقس الإنجيل قدمه للذين كانوا قد توسلوا إليه. وعندما نما ذلك الى علم بطرس لم يعترض عليه ولم يشجبه".
وايضاً: "ولما كان الرومانيون مفتونين بالنور الذى سطع على عقولهم من أحاديث بطرس، لم يقنعوا بمجرد السمع وإعلان الحق الحى، بل أسرعوا يلتمسون بإلحاح من مرقس- الذى إنجيله بين أيدينا، وكان من أتباع بطرس- أن يسجل لهم كتابة التعليم الذى قبلوه مشافهة، ولم يكفوا عن إلحاحهم، حتى أقنعوه برأيهم، وهكذا كانوا سبب كتابه الإنجيل المسمى "بإنجيل مرقس" ، ويقال أنه عندما علم الرسول- بإلهام الروح القدس- بما حدث، سر باهتمام الناس بذلك وأمر بأن يُقرأ ما كتب فى الكنائس" .
5ـ- ترتليان :
من شمالى أفريقيا (حوالى 207م): يتحدث عن سلطان الأناجيل الأربعة فيقول أن اثنين منها كتبهما رسولان، والأثنين الآخرين كتبهما رفيقان للرسل، "بما فيهما ما نشره مرقس، لأنه يمكن أن يعزى لبطرس الذى كان مرقس مترجماً له".
6- أوريجأنوس:
فى الإسكندرية والشرق (حوالى 240م) : "والإنجيل الثاني لمرقس الذى كتبه تحت إرشاد بطرس الذى يقول عنه فى رسالته الجامعة (مرقس ابنى) " (1 بط 5: 13).
7- يوساييوس القيصرى:
من قيصرية (حوالى 325م): "ومع أن بطرس لم يشرع- لفرط التواضع – فى كتابة إنجيل، فأنه مع هذا قد ذاع منذ البداية أن مرقس- الذى كان قد أصبح من أتباعه الحميمين الملازمين له – قد سجل مذكرات بأحاديث بطرس عن أعمال يسوع" ، و"فى الحقيقة أن الذى يكتب هذا هو مرقس، ولكن بطرس هو الذى يشهد، لأن كل ما فى مرقس أنما هى مذكرات أو تسجيلات لأقوال بطرس".
8- أبيفانيوس :
من قبرص (حوالى 350م): "وبعد متى مباشرة، إذ أصبح مرقس من تابعى القديس بطرس فى روما، أوكلت إليه كتابة إنجيل، وإذ أكمل عمله، أرسله القديس بطرس إلى مصر".
9- جيروم :
فى الشرق والغرب (حوالى 350م ) : "أن مرقس- تلميذ بطرس ومترجمه- كتب بناء على طلب الإخوة فى رومية إنجيلاً مختصراً طبقا لما كان قد سمع بطرس يرويه. وعندما بلغ بطرس ذلك ، وافق عليه وأمر أن يُقرأ فى الكنائس".
كما ذكر أيضاً: " ... فقد كان عنده تيطس مترجماً، تماماً كما أن بطرس المبارك كان له مرقس مترجماً، والذى كتب إنجيله ، فقد كان بطرس يروى ومرقس يسجل".
وفى مقدمة تفسيره لإنجيل متى : "والثاني هو مرقس، مترجم الرسول بطرس وأول أسقف لكنيسة الإسكندرية، الذى لم ير الرب يسوع بنفسه، ولكنه سجل بكل دقة – أكثر مما يترتب – أعماله التى سمع معلمه يكرز بها".
ماذا تعنى كلمة مترجما ؟
كل القدماء ومعظم المحدثين (مثل زاهن وسلمون) أنها تعنى "مفسراً أن مرقس سجل كتابة ما علَّم به بطرس شفاهاً "
ثانيا – الدليل الداخلي :
ويقدم لنا الدليل الداخلي الكثير لتأييد هذا وليس العكس، وأن بطرس كان من ورائه، مما يتفق مع الحقائق التالية :
أ- هناك الكثير من التفاصيل النابضة بالحياة ، ويذكر مرقس أعمال يسوع وتحركاته (7: 33، 9: 36، 10: 16) ، وعن نظراته المستطلعة (5: 32) ونظراته فى الصلاة (6: 41، 7: 34) ، وفى الاستحسان (3: 34) ، والمحبة (10: 21) ، والتحذير (ليهوذا بصفة خاصة 10: 23) ، والغضب (3: 5) ، والحكم على الأمور (11: 11 ). كما يجوع يسوع (11: 21) ويطلب الراحة فى موضع خلاء (6: 31) ، وينام على وسادة فى مؤخرة السفينة (4: 38) ، ويشفق على الجموع (6: 34) ، ويتعجب من عدم إيمان الناس (6:6) ويئن ويتنهد على عمى الشعب وأحزانهم (7: 34، 8: 12) ، ويحزن لقساوتهم (3: 5) ، وينتهر حزيناً – الفكر الخاطئ لبطرس كما ينتهر فى غيظ غيره تلاميذه الخاطئة ومطامعهم الأنانية (8: 33، 10: 14) ، ويبين مرقس أن معجزات الشفاء كثيراً ما كانت فورية (1: 31، 2: 11و12، 3: 5) ، واحياناً تمت شيئاً فشيئاً أو بصعوبة (1: 26، 7: 32-35 ، 9: 26- 28) ، كما لم يستطع مرة أن يصنعها " بسبب عدم إيمانهم (6: 5و6) . ويحدثنا مرقس فى لمسات نابضة بالحياة ، عن سلوك الناس ومدى تأثرهم بما كان يسوع يقوله ويعمله .
كانوا يأتون بمرضاهم عبر الشوارع ، ويحولون الساحات إلى مستشفيات (1: 32) ، ويزحمونه يحتكون به عند شاطئ البحر (3: 10) ، ويعبرون عن دهشتهم لأنه كان يكلمهم بسلطان (1: 22) ، وبقوة (2: 12) ، ويخاف التلاميذ خوفاً عظيماً من سلطانه على البحر (4: 41) ، ويدهش التلاميذ
والآخرون وينزعجون لنظرته الغريبة وهو يسير متوجهاً إلى أورشليم وإلى الصليب (10: 32) . وهناك الكثير من التفاصيل الحية الرائعة ، مثل "كان مع الوحوش" (1: 13) ، " وكشفوا السقف " (2: 4) ، وكان هو فى المؤخرة على وسادة نائما (4: 38) ، ووصف مجنون كورة الجدريين (5: 4) ، والجموع المتكئة على العشب فى ثيابهم الملونة الزاهية كبستان من الزهور على سفوح الجبال الخضراء (6: 39) . والتفاصيل الأخرى التى يتميز بها مرقس هى الأسماء (1: 29، 3: 6، 13: 3 ، 15: 21) ، والأعداد (5: 13، 6: 7) ، والوقت (1: 35، 2: 1 ، 11: 19، 16: 2) ،
والمكان (2: 13، 3: 8 ، 7: 31، 12: 41 ، 13 : 3، 14: 68 ، 15 : 39) . وهذه كلها تدل على أنها ملحوظات شاهد عيان ، فهى مرجع حاسم . كما أن الإشارات الجغرافية تدل على أن الكاتب كان يعرف تماماً المعالم الرئيسية للبلاد وبخاصة أورشليم وما حولها .
ب- يمكن فهم بعض التعبيرات المحيرة فى قوائم الأسماء على أساس أنها ترجمة مرقس لما جاء على لسان بطرس كما فى مرقس (1: 29)، فلعل بطرس قال: " وعدنا للمنزل ورافقنا يعقوب ويوحنا ". وكذلك فى مرقس (1: 36) بالمقابلة مع وصف لوقا ( لوقا 4: 42و43)، مرقس (3: 16)، (13: 3) .
جـ- هناك فقرتان (مر9: 6 ، 11: 21) تصفان فكر بطرس الشخصي، وبعض الفقرات تذكر أحداثاً قد لا يذكرها إلا بطرس، كما فى مرقس (14: 37و66-72، 16: 7 ،وكذلك 7: 12-23 في ضوء ما جاء في أعمال 10: 15) .
د- ترتيب الأسماء فى مرقس (3: 7) يناسب وجهة نظر بطرس الجليلي، أكثر مما يناسب وجهة نظر مرقس الذى كان من أورشليم : الجليل – اليهودية – أورشليم – أدومية – صور – صيداء . إن هذه الإشارات البسيطة غير المتكلفة، لخير دليل على أن هذه لغة واحد رأى بعيني رأسه ، ويتحدث عن مشاعره الشخصية .
هـ- ويكتب مرقس – بصفة عامة، مثلما يكتب متى – من وجهة نظر الاثنى عشر، أكثر مما يكتب لوقا. كما أن مرقس يكتب – أكثر مما يفعله متى – من وجهة نظر الثلاثة الذين كانوا أكثر التصاقاً بيسوع ( انظر مرقس 5: 37 مع مت 9: 32- حيث لا يشير متى بأي إشارة إلى الثلاثة) ، كما أن الترتيب غير العادي للأسماء فى الفقرة المقابلة لها فى لوقا (8: 51)، يدل على أن يعقوب كان مصدره الأساسي. وواضح أن لغة مرقس (فى 9: 14) هى لغة واحد من الثلاثة، وقد تكون عبارة لوقا كذلك أيضاً ، ولكنها ليست كذلك فى متى، والمقارنة بين ما جاء فى إنجيلي متى ومرقس، وما جاء فى إنجيل لوقا ( 9: 51-18 :14) يدعم هذا الرأي .
و- التوافق بين ما جاء فى إنجيل مرقس مع ما أوجزه بطرس فى حديثه فى بيت كرنيليوس (أع10: 37-41 ) .
ز- يتفق هذا الإنجيل مع صفات بطرس، فقد كان سريع الانفعال أكثر منه متأنياً، وعاطفياً أكثر منه منطقياً. وعند مثل هؤلاء الناس ، ليس للحوار أهمية كبيرة ، بل الأعمال هى الأهم .
وقد يبدو أن مما يغض من هذا كله، أن الأحداث الثلاثة المثيرة فى حياة بطرس والمذكورة فى إنجيل متى، وهى : المشي على الماء ( مت14: 28-33) ، وموضوع الجزية (17: 24-27) ، والكنيسة ومفاتيح الملكوت (16: 16-19)، لا يرد لها ذكر فى إنجيل مرقس ، ولكن ليس ذلك إلا مجرد لمسة من الكياسة والوداعة ونكران الذات، نتيجة رفقته وارتباطه بيسوع ، فنحن نرى يوحنا – فى إنجيله – يخفى نفسه بصورة مشابهة، فهؤلاء الأشخاص أكثر ميلاً إلى ذكر الأمور التى تلقى الضوء على ضعفهم. والمرة الوحيدة التى يذكر فيها متى أسماء الاثنى عشر، يطلق على نفسه لقب " العشار" (مت 10: 3) ، وهكذا " لا يظهر بطرس مطلقاً فى دور بارز فى إنجيل مرقس إلا عندما يتلقى التوبيخ".
ويمكن أن نذكر لمحتين بسيطتين أخريين ، فعدم ذكر الأناجيل الثلاثة الأولى حادثة إقامة لعازر ، وعدم ذكر اسم مريم فى حادثة دهن يسوع بالطيب ، يرجحان تاريخاً مبكراً حين كان ذلك غير مقبول بالنسبة للعائلة ، وعندما نشر الإنجيل الرابع ، من المحتمل أنهم لم يكونوا أحياء. كما أن وصف يوحنا بأنه أخو يعقوب (5: 37) قد يعود بنا ايضاً إلى زمن مبكر عندما كان يعقوب أكثر الأخوين شهرة وتقديراً .
تم الرجوع والاقتباس من دائرة المعارف الكتابية في البحث حول انجيل مرقس وأدلة أنه كاتب البشارة
المقال مقتبس من كتاب "موثوقية الأناجيل" لوثر خليل