هل الله في العهد القديم إله يأمر بشق بطون الحوامل؟ الدكتور القس عزت شاكر
قال الرب على لسان هوشع: «تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ» (هو16:13).
يقول من يهاجمون العهد القديم:
إن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي يأمر بشق بطون الحوامل. فهل فعلاً الله هنا يأمر بشق بطون الحوامل؟
أولاً: ما هي الخلفية التاريخية لهذا النص؟
هذه الكلمات جاءت على لسان النبي هُوشَعَ الذي عاصر «عزيا ويوثام وأحاز وحزقيا» ملوك يهوذا، ويربعام الثاني بن يوآش ملك إسرائيل (هو1:1). وقد كان يتنبأ في نفس التوقيت الذي كان يتنبأ فيه إشعياء النبي (إش1:1). ولكن كان إشعياء يتنبأ في مملكة يهوذا (المملكة الجنوبية)، بينما هوشع يتنبأ في مملكة إسرائيل (المملكة الشمالية)، ويسميها في بعض الأحيان السامرة؛ وذلك لأن السامرة هي العاصمة، ويسميها في أحيان أخرى أفرايم؛ لأن سبط أفرايم كان أكبر أسباط مملكة إسرائيل، ومنه يربعام بن ناباط أول ملوكها بعد انفصال المملكتين. وقد تنبأ هوشع بخراب إسرائيل، وذلك بسبب الانحلال الأخلاقي والديني وعبادة الأوثان والزنا في المعابد الوثنية.
ومن يدرس تاريخ مملكة إسرائيل (المملكة الشمالية) منذ انقسام المملكة وحتى سقوطها، سيجد أن كل ملوكها كانوا أشراراً وقتلة ومغتَصِبِين كشعبهم، من أول ملك وهو يربعام بن ناباط وحتى أخر الملوك هوشع بن أيلة.
إن يربعام بن ناباط بعد أن تولى المُلك صنع عجليّ ذهب ووضعهما أمام الشعب لكي يتعبَّد لهما، وقال: «هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ أَصْعَدُوكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (1مل12: 28).
ولعل السؤال الذي يواجهنا هنا هو: لماذا العجل الذهبي بالذات؟ ولكن كل دارس للتاريخ يعرف أن الشعوب الشرقية القديمة كانت تعبد العجول وتقدِّسها، فالعجل في الشرق القديم هو إله الخصب والنماء، وكان شعب آرام ينظر للثيران على أنها رمز القوة، وكان العجل أبيس من آلهة المصريين المقدسة، لذلك صنع كل من هارون ومن بعده يربعام العجل الذهبي وهنا الكارثة الكبرى وهي الابتعاد عن الرب والتشبه بسائر الأمم، لقد نسوا أنهم شعب مقدس للرب، نسوا الوصية الأولى من الوصايا العشر.
وقال يربعام للشعب بعد أن صنع عجليّ الذهب: «كَثِيرٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ»، ووضع لهم عجلاً في دان والأخر في بيت إيل. ولعل السؤال أيضاً هو: لماذا اختار هذين البلدين بالذات؟
إن من ينظر إلى خريطة إسرائيل في ذلك الوقت سيجد أن «دان» تقع في أقصى الشمال، وبعد انقسام المملكة أصبحت «بيت إيل» بالنسبة للمملكة الشمالية في أقصى الجنوب. فالتعبير «من دان إلى بئر سبع» (قض20:1، 1أخ21:2) يعني البلاد كلها من الشمال إلى الجنوب، إنه يشبه القول المصري: «من إسكندرية إلى أسوان». لقد أراد يربعام أن يجعل عبادة العجل الذهبي متاحة بسهولة لكل فرد من أفراد الشعب في ذلك الوقت
.
ومن يدرس سفر هوشع سيجد كيف كان الشر والفساد قد استشرى في كل المملكة، فيقول الرب عن شعب إسرائيل (سكَّان السامرة) في ذلك الوقت:
(هو4: 1-2) «اِسْمَعُوا قَوْلَ \لرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ \لأَرْضِ لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ \للَّهِ فِي \لأَرْضِ. 2لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ. يَعْتَنِفُونَ وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً».
إن كل الموجود في السامرة هو «لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ»، وكلمة «يَعْتَنِفُونَ» تعني يتخطون الحدود. وعبارة «وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً» تشير إلى كثرة جرائم القتل.
(هو4:4) «وَشَعْبُكَ كَمَنْ يُخَاصِمُ كَاهِناً». أي توقف عن الذهاب إلى الهيكل، وعن العبادة، وعن تقديم الذبيحة.
(هو12:4) «شَعْبِي يَسْأَلُ خَشَبَهُ وَعَصَاهُ تُخْبِرُهُ لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى قَدْ أَضَلَّهُمْ فَزَنُوا مِنْ تَحْتِ إِلَهِهِمْ». «يَسْأَلُ خَشَبَهُ» أي «أصنامه» فقد كانوا يصنعون آلهة من الخشب ويعبدونها، ويستشيرونها في أمورهم (إش46، 47).
(هو5: 3) «أَنَا أَعْرِفُ أَفْرَايِمَ. وَإِسْرَائِيلُ لَيْسَ مَخْفِيّاً عَنِّي. إِنَّكَ الآنَ زَنَيْتَ يَا أَفْرَايِمُ. قَدْ تَنَجَّسَ إِسْرَائِيلُ»
ويقصد الزنى الروحي؛ البعد عن الله والزيغان بعيداً عنه وعدم الإرتباط به. وأيضاً الزنى الجسدي.
(هو8: 11) «لأَنَّ أَفْرَايِمَ كَثَّرَ مَذَابِحَ لِلْخَطِيَّةِ صَارَتْ لَهُ الْمَذَابِحُ لِلْخَطِيَّةِ».
وهي تأتي في ترجمة (ك ح) «أَكْثَرَ أَفْرَايِمُ مِنْ تَشْيِيدِ الْمَذَابِحِ لِيُصْعِدَ عَلَيْهَا ذَبَائِحَ الْخَطِيئَةِ، فَأَصْبَحَتْ هَذِهِ مَذَابِحَ لاِرْتِكَابِ الْخَطِيئَةِ». لقد كانوا يزنون فوق المذابح.
(هو13: 3،2) «والآنَ يَزْدَادُونَ خَطِيَّةً وَيَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ تَمَاثِيلَ مَسْبُوكَةً مِنْ فِضَّتِهِمْ أَصْنَاماً بِحَذَاقَتِهِمْ كُلُّهَا عَمَلُ الصُّنَّاعِ. عَنْهَا هُمْ يَقُولُونَ: «ذَابِحُو النَّاسِ يُقَبِّلُونَ الْعُجُولَ».
وهي ترد في ترجمة (ك ح) كالآتي:
«وَهَا هُمْ يُكَثِّرُونَ الآنَ مَعَاصِيهَمْ، وَيَصُوغُونَ بِبَرَاعَةٍ لأَنْفُسِهِمْ تَمَاثِيلَ وَأَصْنَاماً مِنْ فِضَّتِهِمْ، كُلُّهَا صَنْعَةُ عُمَّالٍ حَاذِقِينَ قَائِلِينَ: «قَبِّلُوا تَمَاثِيلَ الْعُجُولِ هَذِهِ يَا مُقَرِّبِي الذَّبَائِحِ الْبَشَرِيَّةِ».
إياك أن تظن أن صوت دينونة الله جاء من فراغ، لقد أرسل الله لهم مئات بل آلاف التحذيرات، والنداءات للتوبة والرجوع، فباب محبته مفتوح، ونعمته لا حدود لها، لذلك لا يمكن أن يرفض أي إنسان مهما كان ذنبه ومهما كانت خطيته، عليه فقط بالرجوع. ولقد كان الرب يرجو شعبه صارخاً على لسان هوشع قائلاً:
«هَلُمَّ نَرْجِعُ إِلَى الرَّبِّ لأَنَّهُ هُوَ افْتَرَسَ فَيَشْفِينَا ضَرَبَ فَيَجْبِرُنَا. 2يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ» (هو6: 1، 2).
ويقول أيضاً: «ارْجِعْ يَا إِسْرَائِيلُ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكَ لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ»(هو14: 1).
ولذلك جاء وقت الدينونة، وحصدت السامرة ثمار ما زرعت من شر وفساد، فقد حاصرت أشور السامرة لمدة ثلاث سنين في أيام هوشع بن أيلة، الذي أذله شلمنآصر ملك أشور ووضعه تحت الجزية، إلى أن سقطت السامرة سنة 722 ق.م. وتم سبي إسرائيل إلى أشور.
ثانياً: هل الله أمر بقتل الأطفال وشق بطون الحوامل؟
أنا أرجو أن تقرأ الآية «بالتشكيل» وتسأل نفسك: هل النص يحتوي على «أمر» بقتل الأطفال وشق بطون الحوامل؟
«تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ» (هو16:13).
لو كان النص كالآتي: «تُحَطِّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوَامِلُ تَشقُّ» كنا قلنا هذا أمر مباشر بالقتل، ولكن النص ورد في صيغة المبني للمجهول كالآتي: «تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ». فلا يوجد أي أمر موجه لأي جهة محددة، أو أي أشخاص معينين ليقوموا بقتل الأطفال أو شق بطون الحوامل. لقد كان هوشع النبي يتنبأ بما سيحدث للسامرة العاصية المتمردة على الرب، كنتيجة طبيعية لشرهم وفسادهم وعدم رجوعهم للرب.
وقد ورد هذا النص في الترجمات الأخرى كالآتي:
(ت ع م) «أذنبت السامرة وتمردت على الله، فبالسيف يسقط شعبها. أطفالها ينسحقون وتنشق بطون الحوامل».
(ك ح) «لاَبُدَّ أَنْ تَتَحَمَّلَ السَّامِرَةُ وِزْرَ خَطِيئَتِهَا لأَنَّهَا تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا، فَيَفْنَى أَهْلُهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَيَتَمَزَّقُ أَطْفَالُهَا أَشْلاَءَ، وَتُشَقُّ بُطُونُ حَوَامِلِهَا».
(ت ك) «السامرة سوف تدفع الثمن لأنها تمردت على إلهها. يسقطون بالسيف ويُسحَق أطفالهم وتُشَق حواملهم».
(ISV) Samaria will be held guilty, because she has rebelled against her God. By the sword they will fall— with their infants dashed to pieces, and their pregnant women torn open.
(MKJV) Samaria shall become a waste, for she has rebelled against her God. They shall fall by the sword. Their infants shall be dashed in pieces, and their pregnant women shall be ripped up.
فلا يوجد أمامنا إلا نبوة بما سيحدث للسامرة في المستقبل نتيجة شرها وبعدها عن الله وعدم توبتها، ولا يوجد أمامنا أي أمر بالقتل من الرب لأي شخص معين، أو أي جهة محددة، وما حدث للسامرة بواسطة أشور يعتبر في نفس الوقت قضاء إلهي
.
ثالثاً: برهان العدالة الإلهية:
إن هذا القضاء الإلهي الذي أخبر به الرب على لسان هوشع النبي يؤكد عدالة الله. فالقتل وسفك الدماء كان أحد ملامح مدينة السامرة، لدرجة أننا نقرأ عن (مَنَحِيمُ بْنُ جَادِي) وهو أحد ملوك إسرائيل الفاسدين أنه دخل مدينة وشق بطون حواملها فنقرأ: «فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ لِعَزَرْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ مَنَحِيمُ بْنُ جَادِي عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ عَشَرَ سِنِينَ 18وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. لَمْ يَحِدْ عَنْ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ كُلَّ أَيَّامِهِ».
ثم يقول عنه: «حِينَئِذٍ ضَرَبَ مَنَحِيمُ تَفْصَحَ وَكُلَّ مَا بِهَا وَتُخُومَهَا مِنْ تِرْصَةَ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْتَحُوا لَهُ. ضَرَبَهَا وَشَقَّ جَمِيعَ حَوَامِلِهَا» ( 2 ملوك 15:15-18). فالسامرة قد شقَّت بطون حوامل مدينة تفصح وتخومها على يد ملكها الشرير (مَنَحِيمُ بْنُ جَادِي) لذلك كان الجزاء من جنس العمل ! «الَّذِي يَزْرَعُهُ الإنسان إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً» (غلا7:6).
ولكن أرجو أن تلاحظ أن الرب لم يأمر أشور بتحطيم أطفال أهل السامرة أو بشق بطون حواملها، ولكنهم فعلوا كل ما فعلوا بكامل حرية إرادتهم، وهذا ما شهدوا به عن أنفسهم قائلين: «بِقُدْرَةِ يَدِي صَنَعْتُ، وَبِحِكْمَتِي. لأَنِّي فَهِيمٌ. وَنَقَلْتُ تُخُومَ شُعُوبٍ، وَنَهَبْتُ ذَخَائِرَهُمْ، وَحَطَطْتُ الْمُلُوكَ كَبَطَل. 14فَأَصَابَتْ يَدِي ثَرْوَةَ الشُّعُوبِ كَعُشٍّ، وَكَمَا يُجْمَعُ بَيْضٌ مَهْجُورٌ، جَمَعْتُ أَنَا كُلَّ الأَرْضِ» (إش10: 13-14). لقد كان الأشوريون يريدون بمحض اختيارهم وحريتهم أن يسبوا الشعوب المجاورة لهم ويذلوهم ويأخذوا ممتلكاتهم، ولكن صاحب السلطان المطلق على كل الكون استخدمهم كقضيب غضب في يده، ثم بعد ذلك عقابهم على شرورهم، لذلك نقرأ: «وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي» (إِش 10: 5).
عزيزي القارئ: أليس حكماً عادلاً من القاضي العادل أن يخبر هوشع بأن هناك من سيأتي ويجازي السامرة بذات الفعل الذي فعلوه مع جيرانهم؟؟
مقتبس من كتاب "إله العهد القديم إله الدماء" الدكتور القس عزت شاكر