هل الرسول بولس اقتبس من الوثنية ؟
هل مفاهيم بولس الرسول عن المعمودية، والعشاء الرباني اقتبسها من طقوس الديانات الوثنية؟ ندخل إلى الرد
الرد
1ــ لم يخترع بولس الرسول موضوع العماد، إنما سبق وأوصى به وأكد عليه السيد المسيح، فقال لتلاميذه الأطهار: " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت 28 : 19)، واشترط المعمودية للخلاص: " مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر 16 : 16)، وربط بولس الرسول بين المعمودية وسر الفداء: " أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رو 6 : 3 - 5).
2ـ هناك فرق شاسع بين معمودية الدم لدى الوثنيين وبين المعمودية ومفهومها في المسيحية، فمثلًا:
أ - في معمودية سيبيل أو أتيس يُذبح فيها عجل، وهذا لا يوجد ما يقابله في المعمودية المسيحية.
ب - في معمودية الوثنيين يأخذ المُعمَد من دم العجل ويغمس سائر أعدائه، وهذا أيضًا لا يوجد ما يقابله في المعمودية المسيحية.
جـ - معمودية الوثنيين يستخدم فيها الدم ولا يستخدم فيها الماء، بينما المعمودية المسيحية تعتمد على التغطيس في الماء.
د - لا يوجد أي ذكر للروح القدس في المعمودية الوثنية، بينما المعمودية المسيحية هيَ ولادة من الماء والروح القدس، وبدون عمل الروح القدس لا قيمة لها.
هـ - يضع المُعمَّد الوثني أعضاء الذكر من الأضحية في إناء مقدَّس، ويقدمه قربانًا للآلهة، ثم يُدفَن تحت هيكل تذكاري ولا يوجد مثل هذه الممارسات في المعمودية المسيحية.
و- عندما يخرج المُعمَّد الوثني من الحفرة يُسقى لبنًا، وهذا لا يحدث في المعمودية المسيحية.
ز - هدف معمودية الوثنيين أن ينال المُعمَّد بعضًا من روح الإله، بينما هدف المعمودية المسيحية الخلاص من الخطية الجديَّة، ونوال الولادة الجديدة التي تؤهل للإنسان المُعمَّد لسكنى الملكوت.
ح - مفهوم المعمودية في المسيحية هيَ موت ودفن مع المسيح، وقيامة معه، بينما المعمودية في الديانات الوثنية لا تحمل هذا المفهوم.
ط - يشمل طقس المعمودية في المسيحية طقس جحد الشيطان والاعتراف بالمسيح والتغطيس في الماء ثلاث مرات، ولبس الثياب البيضاء بعد المعمودية، ولا نجد ما يقابل هذا في المعموديات الوثنية.
ى - يتبع طقس المعمودية في المسيحية رشم المُعمَّد ستة وثلاثين مرة في كافة أنحاء جسده بزيت الميرون، من خلال سر الميرون، وهذا لا يوجد ما يقابله في المعموديات الوثنية.
3ـــ لم يخترع بولس الرسول فكرة "العشاء الرباني" لأنه يقول: " لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا. وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي. كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلًا هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي.." (1كو 11 : 23 - 27). وقد تحدث بولس الرسول عن العشاء الرباني في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس نحو سنة (54 - 57م) (1كو 11 : 23 - 30) ولم يكن قد مرَّ على صعود السيد المسيح أكثر من عشرين عامًا، . وهذه مدة قصيرة بحساب الزمن لا يمكن أن تنتج أسطورة تماثل الأساطير الوثنية، ولو أن بولس الرسول اخترع فكرة "العشاء الرباني"، وهذه الفكرة لا أساس لها في المسيحية، ولم يتممها السيد المسيح ليلة آلامه.. تُرى هل كان يصمت التلاميذ الذين هم شهود حق وشهود عيان على كل ما فعله الرب يسوع..؟! وإن كان السيد المسيح لم يتمم هذا السر فلما مارسته الكنيسة الأولى من فجر حياتها: " وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ" (أع 2 : 42) وكسـر الخبز هو سر العشاء الرباني.. " وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا" (أع 20 : 7).
4ــ هناك فرق شاسع بين مائدة العشاء الرباني في المسيحية وبين مأدبة القربان لدى الوثنيين، فمثلًا:
أ - في مأدبة القربان لدى الوثنيين يدَّعون أن هناك دابة إلهيَّة، يذبحونها ويأكلون لحمها، وفي مائدة العشاء الرباني لا توجد ذبيحة دموية، إنما تقوم على تقديم الخبز وعصير الكرمة.
ب - الهدف في مأدبة القربان لدى الوثنيين التوحُّد مع الإله ومشاركته في جوهره وصفاته، بينما الهدف من العشاء الرباني في المسيحية ليس مشاركة المسيح في ألوهيته، حتى نصير آلهة مثله، إنما الهدف أن نثبت فيه وهو فينا.. نصير شركاء الطبيعة الإلهية أي مع الطبيعة الإلهية، وليس شركاء في الطبيعة الإلهية، فالمسيحية لا تعترف بتأليه الإنسان، بمعنى أن الإنسان يصير إلهًا.
جـ - هدف العشاء الرباني في المسيحية أن نحيا بالمسيح إلى الأبد، فهو يقيمنا في اليوم الأخير فنعيش معه في الحياة الأبدية، وهذا الهدف لا يوجد ما يقابله في مأدبة القربان الوثنية.
د - في مأدبة القربان الوثنية لا يوجد ذكر للروح القدس ولا للكاهن المشرطن، ولا يصوم الإنسان قبل أن يأكل منها.. بينما في العشاء الرباني يحل روح الله القدوس ليحوّل الخبز إلى جسد المسيح وعصير الكرمة إلى دم المسيح، ويشترط لذلك أن يقدم هذا السر كاهن مشرطن، ليتم التحوُّل، بينما لا يوجد أصلًا تحول في الذبيحة الدموية التي يقدمها الوثنيون.
مقتبس من كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها - أ. حلمي القمص يعقوب