هل اختفاء أصول الكتاب المقدس يدعونا للشك فيه؟
جاء فى "الطبعة اليسوعية للعهد الجديد": "بلغنا نص الأسفار السبعة والعشرين في عدد كبير من المخطوطات التي أُنشئت في كثير من مختلف اللغات، وهيَ محفوظة الآن في المكتبات في طول العالم وعرضه. وليس في هذه المخطوطات كتاب واحد بخط المؤلف نفسه، بل هيَ كلها نسخ أو نسخ النسخ للكتب التي خطّتها يد المؤلف نفسه أو أملاها إملاءً.
الرد
أ - يتصوَّر بعض النُقَّاد أنه يتعيَّن علينا أن نرفض الأسفار المقدَّسة بحجة ضياع النُسخ الأصلية، فهل يمكن أن نتعامل مع التراث الحضاري بهـذه السذاجـة وهذا المنطق المريض؟! ولو فعلنا هذا، ألا نصبح شعبًا بلا تاريخ ولا تراث ولا قيم؟! ولو سرنا بهذا النهج فإننا سنشك في كل المورث الحضاري، فكتاب الموتى الفرعوني الذي يعلّم الإنسان كيف يعيش حياة فاضلة يصبح بلا قيمة لأن أصله قد فُقد، ومثله الإنتاج الأدبي لهوميروس مثل الإلياذة والأوديسة، وتاريخ هيروديت، ويوسيفوس المؤرخ اليهودي، وكرنيليوس كاسيتوس المؤرخ الروماني، وكتابات شكسبير، بل وكتابات العظماء الذين عاصرناهم مثل طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم.. بل أن جميع السور القرآنية قد فُقدت أصولها من الرقاع واللحاف وصدور الرجال فماذا يقولون عنها..؟! هل سيشك علاء أبو بكر ولواء أحمد عبد الوهاب فيما يؤمنون به؟! أم أنهم سيظلون يكيلون بمكيالين..؟! ألم نقل كثيرًا أن الناقد كثيرًا ما يكون أحادي النظرة فيهاجـــم ما يؤمن هو به دون أن يدري؟!
ب - فقدان الأصول لا يُبطل قيمة النص قط، فمثلًا "وثيقة تحرير العبيد" التي وقَّعها "إبراهام لينكولن" في يناير 1863م، وهيَ مكوَّنة من أربعة أوراق فلوسكاب، وبناء عليها تم تحرير أربعة ملايين عبدًا في أمريكا, ولم تمر ثمان سنوات إلاَّ وشب حريق في شيكاغو سنة 1871م واحترقت هذه الوثيقة، ومع ذلك لم نسمع قط أن إنسان عاقل أو غير عاقل سعى لاسترجاع عبيده، لأن أصل الوثيقة قد احترق وضاع.
جـ - لو كانت النسخ الأصلية بين أيدينا الآن، فما أدراك أن النُقَّاد لا يثيرون الشكوك حولها قائلين من يدرينا أن هذه النسخ هيَ النسخ الأصلية؟! وحتى لو كان صاحب السفر قد مهره بخط يده موقعًا عليه، فسيقولون من يدرينا أن هذا توقيع مرقس أو بطرس أو بولس..؟! ثق يا صديقي أن التشكيك لن يتوقف ما دام المُشكّك (الشيطان) له وجود على هذه الأرض.
مقتبس من كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها مقدمة (2) حلمي القمص يعقوب