مسيحية الميل الثاني
الدكتور القس عزت شاكر
لماذا قال المسيح لمن سمعوه ومن يتبعوه إن أجبرك أحد على السير مسافة ميل واحد إذهب مع بدل الميل الواحد أثنان؟
هل علم المسيح أتباعه الخنوع أم ماذا كان هدفه من قول هذا الكلام؟
لماذا لم يقل المسيح لاتباعه أن يقاوموا من يحاول إجبارهم ولو بالقوة؟
لنقرأ ما قاله الدكتور القس عزت شاكر
قال المسيح: "وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ" (مت41:5).
كان القانون الروماني يتيح للمستعمر أن يسخِّر أي مواطن ليحمل له أي شيء مسافة ميل (الميل 1478 متراً) كان المواطن اليهودي مهدَدَاً في أي وقت من المستعمر بأن يسخِّره ليحمل حملاً معيناً مسافة ميل، ولكن بعد الميل كان يمكن للشخص أن يعطي الحمل لصاحبه، والقانون يحميه. ولكن المسيح يقول هنا: "اذهب معه اثنين". والسؤال: لماذا طلب المسيح من تابعيه أن يحملوا الحمل ميلاً آخراً طواعية؟؟
* إن الميل الأول تمشيه بقوة القانون، بينما الميل الثاني تمشية بقوة الحب؛ والحب يغير.
* الميل الأول تمشيه وأنت تشعر أنك مظلوم، بينما الميل الثاني تمشيه وأنت المطيع القوي. فتذهِل وتربِك مسخِرَك.
* الميل الأول تمشيه وكأنك العبد، ومُسَخِرَك هو السيد، ولكن في الميل الثاني أنت السيد وهو العبد، لقد استعبدته بإحسانك إليه.
* الميل الأول تشعر وكأنك المحكوم ومُسَخِرَك هو الحاكم، في الميل الثاني تصبح أنت الحاكم وهو المحكوم لأنك تمشي بحرية إرادتك.
إن انجيل المسيح هو إنجيل الميل الثاني.
في الميل الثاني تعطي فرصة للآخر لكي يراجع حساباته ويسأل نفسه:
لماذا سخرته؟ لماذا لم أحمل حملي بنفسي؟
هل أنا أفضل منه؟ لماذا قَبِل أن يسير الميل الثاني؟
في الميل الثاني تستطيع أن تفتح حوار، بينما في الميل الأول مستحيل أن تفتح حوار. في الميل الثاني تستطيع أن تتحدث معه بقوة وحرية، بينما في الميل الأول أنت عاجز وضعيف.
إذا أردنا أن نغيِّر العالم، وأن نكون مؤثرين فيمن حولنا؛ لنقبل ونعيش مسيحية وإنجيل الميل الثاني والثالث... والعاشر. وعلينا أن نحب وبصدق حتى من يسئ إلينا، لقد قال القديس أُغسطينوس: "تعلم كثيرون أن يحولوا الخد الآخر لمن لطموهم لكنهم لم يتعلموا أن يحبوا الذين لطموهم".