هل عرفت المسيح؟ المقال السابع والأربعون .. 47
1 أين قال المسيح أنا الله؟
لابد أن نفهم الآيات والسياق والوقت الذي قيلت فيه ، ومفهوم الناس فى هذا الوقت للألفاظ التي نطقها المسيح ، وارتباطها بآيات العهد القديم التي يفهمها اليهود. فحين يقول المسيح لليهود أنه ابن الإنسان مثلا ً فهم يدركون هذا المعنى الذي ربما لا يدركه القارئ فى القرن الواحد والعشرين إلا إذا قرأ العهد القديم وفهم مغزى هذا اللقب كما سبق إيضاحه فى بداية بحثنا.
قداسة الاسم "يهوه":
يتكرر أسم "يهوه" فى العهد القديم، فى الأصل العبري حوالي 6.800 مرة، وبالتحديد 6.823 مرة ونظراً لقداسة الاسم الشديدة وعظمته ورهبته، وكذلك الخوف من تحذير الوصية الثالثة:
"لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاً لأن يهوه لا يُبرى من نطق باسمه باطلاً"وأيضاً الخوف من الوقوع تحت عقوبة التجديف التي هي الموت رجماً.
"ومن جدف على اسم يهوه فإنه يقتل. يرجمه كل الجماعة رجماً. الغريب كالوطني عندما يجدف على الاسم يقتل".
لذلك أمتنع اليهود عن النطق به نهائياً منذ القرن الرابع قبل الميلاد، أي، فى زمن الهيكل الثاني، وبالغوا فى ذلك كثيراً، ودعوه "بالاسم الذي لا ينطق به ولا يصح ذكره".
ويعقب الفيلسوف اليهودي فيلون Philo ق.م-40م على لاويين15: 24 "كل من سب إلهه يحمل خطيئته"، بقوله "إذا كان هناك أحد، لا أقول أنه يجدف على رب الناس والآلهة ، بل يجرؤ فقط على أن ينطق باسمه فى وقت غير مناسب فليتوقع الموت".
وقال أيضاً "الاسم يهوه لا يجوز أن ينطق به إلا الذين تطهرت بالحكمة آذانهم وألسنتهم، وبشرط أن يسمعوه وينطقوا به فى مكان طاهر".
وبلغ من حرصهم على عدم نطق الاسم أنهم ظنوا أنه حتى الملائكة نفسها لا يجوز لها أن تنطق باسم يهوه وجاء فى القاموس الدولي للدين" هذا الاسم (يهوه) مقدس لدرجة أن اليهود لم ينطقوه عالياً أبداً ودائماً يستبدلونه بلقب آخر"، ويقول التلمود البابيلونى "أن اليهود امتنعوا أن يلفظوا الاسم، بل والكهنة أيضاً لم يعدوا ينطقون به حتى فى تلاوة البركة". ويقول التلمود الأورشليمي أنه كان مشروعاً لرئيس الكهنة أن ينطق بالاسم فى احتفالات يوم الكفارة. وكان ينطق به بصوت خفيض فى قدس الأقداس حتى لا يسمعه أحد خارجاً.
وبلغت المبالغة فى الخوف من نطق الاسم أن يقول أحد الربيين، كما ينقل د.ت. بيرسون D. T. Pierson، أن من يجرؤ على النطق بهذا الاسم (يهوه) سيفقد مكانه فى العالم الآتي، أي يحرم من السعادة الأبدية.
ومن ثم فقد دعوه بـ "الاسم "Ha Shem و"الاسم العظيم المهوب" و"الاسم الخاص" و"الاسم المنفصل" و"الاسم الذي لا ينطق به" و"الاسم الذي لا يوصف" و"الاسم المحفوظ، و"الاسم المقدس" و"الاسم المتميز" و"الاسم الذي من أربعة أحرف ى. و. ه (Y H W H). وغلاباً ما يسمى بالكلمة اليونانية "تتراجراماتون – Tetragrammaton" أي الاسم ذو الحروف الأربعة (YHWH, JHVH)).
وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه بـ "ادوناى" – Adonai والذى يعنى "ربى – My Lord"، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم "أدوناى" على الحروف الأربعة "ى.ه.و.ه" للاسم الذي لا ينطق به، وينطقون "أدوناى". وهكذا تركوا الحروف الساكنة الأربعة ليهوه، فى النص، ووضعوا معهم الحروف المتحركة لأدوناى (a – o – a). ومن هذا جاء الاسم الهجين "جيهوفاه – Je hovah" المستخدم فى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وهو الشائع الآن"
ترجم اليهود لفظ (أدوناى) العبري إلى (كيريوس) فى اليونانية ويترجم بالعربية (رب)، لكن اللفظ (يهوه) لم يكونوا ينطقونه إحتراماً وتقديساً لله فترجموه أيضاً إلى (كيريوس) باليوناينة. مرة واحدة ترجموا (يهوه) إلى (إيجو ايمى) فى إشعياء45: 18
فمثلاً تقول الآية فى متى4: 10 "لِلرَّبِّ (كيريوس) إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" المقتبسة من العهد القديم لكن يهوه، فتم استبدال لفظ (يهوه) بلفظ (كيريوس)، كذلك التلاميذ لم يستخدموا لفظ (يهوه) على الإطلاق.
هذا يفسر: لماذا لم يقل المسيح أنا الله مستخدماً الاسم (يهوه) واستخدم الاسم البديل له كيريوس والذي يعبر عن يهوه
1- لخوف اليهود من استخدام ذلك الاسم تقديساً لله فلم يستخدمه المسيح حتى لا يعثرهم، فكيف يستخدم اسماً يخافون نطقه أصلا ً.
2- لكنه استخدم اسماً آخر مساو له تماما ً وهو كيريوس باليوناني وهم فهموا ذلك جيدا ً لذلك أرادوا رجمه عدة مرات كما سنرى.
3- - كما أن المسيح أعلن بوضوح أنه يساوى بينه وبين الآب يهوه حين قال عدة مرات فى يوحنا10: 30 "أنا والآب واحد" وفى يوحنا14: 10 قال "أنا فى الآب والآب فى، هنا أعلن المسيح أنه يساوى يهوه تماماً.
هذا يعنى أن استخدام أي لفظ من الأسماء الإلهية مثل رب أو الرب (كيريوس) يعنى أن المسيح قد قال أنه الله فقد كان الله معروفا ً بأسماء متعددة فى العهد القديم ومنها هذا الاسم.
فيا من تقول أين قال المسيح أنا الله وتطلب أن يقول بذات اللفظ (الله)، قال المسيح أنا الله باستخدام ما هو معروف لدى اليهودي من أسماء لله وليس كما تريد الآن بعد نحو 2000 عام، فقد كان المسيح يهودي يعيش فى وسط يهودي فكلمهم وأعلن عن نفسه بما يفهمون من ألفاظ ومفاهيم ففي العهد القديم كان الإعلان الإلهي أن يقول أنا يهوه أو أنا أدوناى أو غيرها من أسماء الله التي أعلنها لليهود، ومن شدة تقديسهم لاسم الله يهوه توقفوا عن استخدامه ولكنهم استخدموا باقي الأسماء وهو ما استخدمه المسيح معهم فى إعلانه عن إلوهيته باستخدام كيريوس باليونانية الترجمة ليهوه أو أدوناى.
ملحوظة: لفظ الجلالة (الله) كان معروفاً للعرب قبل القرن السابع.
يقول معجم لسان العرب تحت (أله): "وروى المنذري عن أَبي الهيثم أَنه سأَله عن اشتقاق اسم الله في اللغة فقال: كان حقه إلاهٌ، أُدخلت الأَلف واللام تعريفاً، فقيل أَلإلاهُ، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالاً لها، فلما تركوا الهمزة حَوَّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف، وذهبت الهمزة أَصلاً فقالوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لام التعريف التي لا تكون إلاَّ ساكنة، ثم التقى لامان متحركتان فأَدغموا الأُولى في الثانية، فقالوا الله".
فقد تطور اسم الجلالة من (أَلإلاهُ) إلى (أَلِلاهٌ) ثم فى النهاية (الله).
فبرجاء الإنتباه جيدًا لما قاله معجم لسان العرب
إذ كيف تطلب بإصرار شديد أيات قال فيها المسيح أنا الله باستخدام لفظ الجلالة "الله" وهو لفظ غير معروف لليهود، ولا العرب ، والعرب أدركوه متأخرًا بعد أن تطور اللفظ
مع ملاحظة أن لفظ (الله) وكما ذكر معجم لسان العرب لفظ متطور فلم يعرف الناس الله بهذا الاسم منذ الخليقة بل تعارف البشر عليه تدريجيا ً فلا يجب الوقوف على هذا اللفظ ولا يصح أن تطبق فهمك اليوم على كتاب أوحى به الله من 3500 عام تقريباً منذ بدأ الله الوحي للنبي موسى عام 1500 قبل الميلاد بل يجب فهم آياته بحسب مفاهيمه وليس بحسب مفاهيمك أنت.
فلفظ "الله" لفظ عربي متطور لم يكن معروفًا وقت المسيح والمسيح يهودي، لكنه أعلن أنه الله باستخدام ألفاظ أخرى يعرفها المستمع اليهودي وتُفهم في ضوء الكتاب المقدس
المراجع
هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر ، القمص عبد المسيح بسيط ، صفحة 20
المقالات مقتبسة من كتاب "هل قال المسيح بكلام صريح أنا الله" لوثر خليل